للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترك المعاصي. ومن مشهور القواعد أن الطاعة تعين على الطاعة، وأن الخير لا يأتي إلا بالخير، كما أن الشرّ لا يأتي إلاّ بالشرّ، ولا ريب أنّه يباح للإِنسان أن يفعل الخير ليتوصل به إلى الخير، والموضوع الذي نبحثه هنا من هذا الباب.

فالجواب عن هذه من وجوه:

الأول: أنَّ طلب الولاية الصالحة بين الله طريقها، وإنما تكون بالإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (١). وفي الحديث القدسي: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)، ثم بين طريق نيل الولاية: (وما تقرب إلي عبدي بأحب إليَّ ممَّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتّى أحبه) (٢).

الثاني: أن العلم المطلوب هو ما كان وسيلة إلى العمل، وكلّ ما كان كذلك فقد أخبرنا الله به، وعلّمنا إياه، فالعلم الذي نحتاج إليه مسطر في كتاب الله، وفي نصوص أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وطلبه يكون من هذين المصدرين، أمّا طلب هذه الأمور التي هي موضوع البحث فليس من العلم الذي نحتاج إليه في أعمالنا.

الثالث: أن طلب إبراهيم عليه السلام ليس من باب التوصل بالعبادة إلى نيل هذه الأمور، بل هو من باب الدعاء، وباب الدعاء مفتوح، إلا أنّ طلب مثل هذه الأمور بالدعاء غير مرغوب فيه، ولم يكن من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الرابع: ليس الموضوع الذي نحن فيه من نوع طلب الخير للخير، فإن قاصد الاطلاع على العوالم الروحية قاصد لطلب حظ شهواني بالطاعة التي شرعت


(١) سورة يونس ٦٢، ٦٣.
(٢) الحديث تفرد البخاري بإخراجه في صحيحه دون بقية أصحاب الكتاب، والحديث من غرائب الصحيح.
(جامع العلوم والحكم ص ٣٣٧).

<<  <   >  >>