للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومقاصده مجاريها (١).

ونرى أن هذا الضابط مع جودته يحسن أن يعدل بحيث يصبح على النحو التالي: يقصد المكلف من عمله بالتكاليف الشرعية المقاصد التي وجه الله عباده إليها وارتضاها لهم، فالله سبحانه وتعالى يشرع لعباده الأعمال التي تضمنها دينه، وبين لهم المقاصد التي ينبغي أن يتوجهوا إليها ولعلنا لسنا بمغالين إذا قلنا: إنَّ عناية الإِسلام بإيضاح المقاصد أعظم من عنايته بإيضاح الأعمال.

والضابط الذي ارتضيناه سهل ميسور، يستطيع الناس إدراكه بيسر وسهولة، بينما الضابط الذي قرره الشاطبي لا يستطيع تبينه إلاّ الراسخون في العلم، والشريعة -كما يقرر الشاطبي نفسه- شريعة عامة جاءت للناس كلِّهم، وهي تراعي القدر المشترك بينهم.

ونستطيع أن نقول: إن تعديل هذا الضابط يخلصنا من إشكالات ترد على الضابط الذي وضعه الشاطبي، فالشارع قد يقصد من التكاليف أمورا، ولا يريد من المكلف قصدها، فالشارع قصد من تكليف العباد اختبارهم وابتلاءهم، ولم يكلفنا بأن نقصد ذلك، وقد بحث الشاطبي في أنَّ أمر الشارع بالأسباب لا يعني أمرهم بالمسببات، مع تقريره بأن المسببات مقصودة للشارع من تشريعه الأسباب (٢).

ولو نهج هذا النهج ما احتاج إلى تلك الصفحات الطويلة التي أوضح فيها المسألة وبينها.

ولو جارينا الشاطبي فيما ذهب إليه في مباحثه فإننا نرى الأوفق بنا في مبحثنا هذا أن نعدل عن مجاراته، لأن الأوفق بمن ينظر إلى المقاصد من الجانب التعبدي المقرب إلى الله، سواء في العبادات أو في الأمور العادية التي


(١) الموافقات٢/ ٢٤٣.
(٢) الموافقات ١/ ١٢٦ - ١٢٧.

<<  <   >  >>