للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجب أن نحمل مثل قول الحارث المحاسبي: "النية فيما ليس فيه ثواب لا تحضر، ولا نية في ذلك، ومن أراد الله عز وجل في ذلك فمغرور غالط، كالرجل بنى البنيان الفاخر يريد بذلك -زعم- الله، ويأكل الأطعمة الطيبة ويتكلفها لغير ضعف وجده به ولا قوة على طاعة الله لا يقوى على تلك الطاعة إلاّ بها، فلا يجوز النية في ذلك" (١)، يجب أن نحمله على ذلك.

والذين أرادوا أن يعبدوا الله بأمثال هذه الأمور تعبوا وأتعبوا، لأنَّ استحضار النية في هذا متعسر، وقد ذكر كثير من المؤلفين (في السلوك) أنَّه: "ينبغي للمريد أن تكون له في كل شيء نية لله تعالى، حتى في أكله وشربه وملبوسه، فلا يلبس إلا لله، ولا يأكل إلَّا لله، ولا يشرب إلاّ لله، ولا ينام إلاّ لله .... " (٢).

وذكروا عن بعض العباد أنَّه كان ينوي عند كل لقمة، ويقول بلسانه: آكل هذه اللقمة لله تعالى (٣).

ويذكرون عن آخر أنَّه نادى امرأته فقال: هاتي المدري ليفرق شعره، فقالت له امرأته: أجيء بالمدري والمرآة؟ فسكت، ثم قال: نعم.

فقال له من سمعه: سكت، وتوقفت عن المرآة، ثم قلت: نعم؟ فيقال: إنَّي قلت لها: هاتي المدري بنية، فلما قالت: المرآة، لم تكن لي في المرآة نية، فتوقفت، حتى هيّأ الله لي نِية، فقلت نعم (٤).

وانظر إلى الحالة التي وصل إليها الذين اتجهوا هذا الاتجاه الخاطىء، فقد ذكروا عن أحد الصالحين أنه لبس القميص مقلوبا، ولم يعلم بذلك، حتى ارتفع النهار، ونبهه على ذلك بعض الناس، فهمّ أن يخلع ويغير، ثم أمسك، وقال: لبسته بنية لله، فلا أغيره فألبسه بنية الناس (٥).


(١) الرعاية.
(٢) عوارف المعارف ص ٥٣٣.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المصدر السابق.
(٥) المصدر السابق.

<<  <   >  >>