للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذ وضع اللقمة في فم امرأته إنّما يكون في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع ذلك فقد أخبر الشارع بأن ذلك يؤجر عليه بالقصد الجميل فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا قصد به وجه الله.

ويؤخذ من ذلك: أنَّ الإِنسان إذا فعل مباحا من أكل أو شرب وقصد به وجه الله كالاستعانة بذلك على الطاعة وبالنوم على قيام الليل يثاب عليه" (١).

وأوضح من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة، وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة" (٢).

ويقول السيوطي: "ومن أحسن ما استدلوا به على أنَّ العبد ينال أجرا بالنية الصالحة في المباحات والعادات قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكل امرىء ما نوى" فهذه يثاب فاعلها إذا قصد بها التقرب إلى الله، فإن لم يقصد ذلك فلا ثواب له ... " (٣).

٢ - الأخذ بالمباح على أنه تشريع إلهي:

المسلم الملتزم بالدّين الإسلامي يجري تحت قانون متكامل من التكاليف الشرعية في جميع حركاته وأقواله واعتقاداته، فلا يكون كالبهيمة المسيبة تعمل بهواها، بل يلجم نفسه دائما بلجام الشرع، ويسوسها به، فإذا نظر إلى المباح هذه النظرة بأن يأتيه معتقدا أنَّ الله أباحه، فالذي يأتي زوجته -مثلا- يقصد أن يعدل عما حرمه الله تعالى إلى ما أباحه، والله يحب أن يؤتى ما أباح لعباده وما رخص لهم به، ويبغض التشدد والترهبن بتحريم الطيبات، ومما يشهد لهذا قوله -صلى الله عليه وسلم -:


(١) دليل الفالحين ١/ ٧٤.
(٢) رواه أحمد والطبراني عن المقدام بن معد يكرب (صحيح الجامع ٥/ ٥٤١١).
(٣) شرح السيوطي على النسائي ١/ ١٩.

<<  <   >  >>