للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[اعتراضات]

أورد الشاطبي بعض الأدلة التي تدلّ على أنَّ المقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات.

ثم أورد على نفسه دليلين يدلان على أنَّ المقاصد وإن اعتبرت على الجملة فليست معتبرة بإطلاق، وفي كلّ حال، ثم أجاب عما أورده.

الأول: الأعمال التي يجب الِإكراه عليها شرعا، فإن المُكْرَه على الفعل يعطي ظاهره أنَّه لا يقصد فيما أكره عليه امتثال أمر الشارع، إذ لم يحصل الإكراه إلاّ لأجله، فإذا فعله وهو قاصد لدفع العذاب عن نفسه فهو غير قاصد لفعل ما أمر به، لأنَّ الفرض أن العمل لا يصح إلَّا بالنية المشروعة فيه، وهو لم ينو ذلك، فيلزم ألا يصحّ، وإذا لم يصحّ كان وجوده وعدمه سواء، فكان يلزم أن يطالب بالعمل ثانيا، ويلزم في الثاني ما لزم في الأول، ويتسلسل، أو يكون الِإكراه عبثا، وكلاهما محال، أو يصحّ العمل بلا نيّة، وهو المطلوب (١).

وقد نصّ الفقهاء في أمور عدّة على ما قرّره الشاطبي هنا، فقد نص الشافعي (٢) على أن للوالي أن يأخذ الزكاة من أهلها، ولو لم يكن لهم نيّة في دفعها إليه، يقول الشافعي في هذا الصدد: "وإذا أخذ الوالي من رجل زكاة بلا نيّة من الرجل في دفعها إليه أو بنيّته طائعا كان الرجل أو كارها، ولا نيّة للوالي الآخذ لها في أخذها من صاحب الزكاة أو له نية فهي تجزىء عنه" (٣).


(١) الموافقات: (٢/ ٢٣٩).
(٢) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي، أحد الأئمة الأربعة، عالم واسع العلم في القراءات والفقه والحديث والشعر والأدب وأيام العرب، وهو واضع علم أصول الفقه، ولد بغزة سنة (١٥٠ هـ)، وحمل إلى مكه صغيرا، وقصد مصر في آخر عمره، وتوفي بها سنة (٢٠٤ هـ).
(تهذيب التهذيب ٩/ ٢٥)، (خلاصة تذهيب الكمال ٢/ ٣٧٧)، (طبقات الحفاظ ص ١٥٢).
(٣) الأم: (٢/ ١١٩).

<<  <   >  >>