للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ لِدَفْنِ آخَرَ فِيهِ: أَيْ فِي لَحْدِهِ فَمُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَبْلَ الْأَوَّلُ وَيَصِرْ تُرَابًا، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ نَبْشُ الْقَبْرِ لِدَفْنِ ثَانٍ وَتَعْلِيلُهُمْ ذَلِكَ بِهَتْكِ حُرْمَتِهِ عَدَمُ حُرْمَةِ نَبْشِ قَبْرٍ لَهُ لَحْدَانِ مَثَلًا لِدَفْنِ شَخْصٍ فِي اللَّحْدِ الثَّانِي إنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ رَائِحَةٌ إذْ لَا هَتْكَ لِلْأَوَّلِ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فِيمَا أَعْلَمُ

(وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ) الْمُحْتَرَمِ وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَنَدُ إلَيْهِ (وَلَا يُوطَأُ) عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا إلَّا لِحَاجَةٍ بِأَنْ حَالَ الْقَبْرُ دُونَ مَنْ يَزُورُهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَيْهِ إلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا يُكْرَهُ، وَفُهِمَ بِالْأُولَى عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِضَرُورَةِ الدَّفْنِ وَالْحِكْمَةُ فِي عَدَمِ الْجُلُوسِ وَنَحْوِهِ تَوْقِيرُ الْمَيِّتِ وَاحْتِرَامُهُ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» فَفَسَّرَ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ بِالْجُلُوسِ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: «مَنْ جَلَسَ عَلَى قَبْرٍ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَغَوَّطُ» .

وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَقَبْرِ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِقَبْرِ الذِّمِّيِّ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِأَجْلِ كَفِّ الْأَذَى عَنْ أَحْيَائِهِمْ إذَا وُجِدُوا، وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الْمُكْثِ فِي مَقَابِرِهِمْ وَمَحَلُّ مَا مَرَّ عِنْدَ عَدَمِ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَيَقَّنُ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ فِي الْقَبْرِ، فَإِنْ مَضَتْ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي مَشْيِهِ بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِنَعْلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لِخَبَرِ «إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِكُمْ» وَمَا وَرَدَ مِنْ الْأَمْرِ بِإِلْقَاءِ السِّبْتِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِمَا مِنْ لِبَاسِ الْمُتَرَفِّهِينَ أَوْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِهِمَا نَجَاسَةٌ، وَالنِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمَدْبُوغَةِ بِالْقَرَظِ (وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ) مِنْهُ (كَقُرْبِهِ مِنْهُ) فِي زِيَارَتِهِ لَهُ (حَيًّا) أَيْ يَنْبَغِي ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا احْتِرَامًا لَهُ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ عَادَتُهُ مَعَهُ الْبُعْدَ وَقَدْ أَوْصَى بِالْقُرْبِ مِنْهُ قَرُبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

تَظْهَرَ رَائِحَتُهُ لَوْ شَكَّ فِي ظُهُورِ الرَّائِحَةِ وَعَدَمِهَا هَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قَرُبَ زَمَنُ الدَّفْنِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: فَمُمْتَنِعٌ) أَيْ وَلَوْ احْتَجْنَا لِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ، وَفِي الزِّيَادِيِّ: وَمَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ أَمَّا عِنْدَهَا فَيَجُوزُ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ رَمْلِيٌّ اهـ.

قَالَ حَجّ: وَلَوْ وَجَدَ عَظْمَهُ قَبْلَ كَمَالِ الْحَفْرِ طَمَّهُ وُجُوبًا مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ نَحَّاهُ وَدَفَنَ الْآخَرَ، فَإِنْ ضَاقَ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْنُهُ إلَّا عَلَيْهِ فَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ نَحَّاهُ حُرْمَةُ الدَّفْنِ هُنَا حَيْثُ لَا حَاجَةَ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ هُنَا أَشَدُّ اهـ، وَظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ وُضِعَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كَمَا لَوْ فُرِشَ عَلَى الْعِظَامِ رَمْلٌ، ثُمَّ وُضِعَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مَكْرُوهًا إلَّا لِحَاجَةٍ إلَخْ) قَالَ حَجّ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُحَاذِي الْمَيِّتِ لَا مَا اُعْتِيدَ التَّحْوِيطُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُحَاذٍ لَهُ لَا سِيَّمَا فِي اللَّحْدِ، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ مَا قَرُبَ مِنْهُ جِدًّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ مُحَاذٍ لَهُ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ) أَيْ فِي الْجُلُوسِ وَالْوَطْءِ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ حُرْمَةِ الْبَوْلِ وَالتَّغَوُّطِ عَلَى قُبُورِهِمَا لِعَدَمِ حُرْمَتِهِمَا وَلَا عِبْرَةَ بِتَأَذِّي الْأَحْيَاءِ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ) أَيْ وُجُوبًا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَنَدْبًا فِي نَحْوِ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ إلَخْ) أَيْ سِوَى عَجَبِ الذَّنْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلَى (قَوْلُهُ: وَلَا كَرَاهَةَ فِي مَشْيِهِ بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِنَعْلٍ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ فَيَحْرُمُ إنْ مَشَى بِهِ عَلَى الْقَبْرِ، أَمَّا غَيْرُ الرَّطْبَةِ فَلَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ عَادَتُهُ إلَخْ) مِنْهُ يُؤْخَذُ كَرَاهَةُ مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ زُوَّارِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ دَقِّهِمْ التَّوَابِيتَ وَتَعَلُّقِهِمْ بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِمْ التَّأَدُّبُ فِي زِيَارَتِهِمْ وَعَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُمْ وَالْبُعْدُ عَنْهُمْ قَدْرَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زِيَارَتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ تَعْظِيمًا لَهُمْ وَإِكْرَامًا.

قَالَ حَجّ: وَالْتِزَامُ الْقَبْرِ أَوْ مَا عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ تَابُوتٍ وَلَوْ قَبْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِ يَدِهِ وَتَقْبِيلُهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ قَبِيحَةٌ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْكِتَابَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[الْجُلُوس عَلَى الْقَبْرِ]

قَوْلُهُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهَا مِنْ لِبَاسِ الْمُتَرَفِّهُونَ إلَخْ) يُفِيدُ كَرَاهَةَ الْمَشْيِ فِي النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ وَالْمُتَنَجِّسَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ جَافَّةً فَلْيُرَاجَعْ

<<  <  ج: ص:  >  >>