للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا، قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ، فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً أُجِيبَ الْقَرِيبُ دُونَ الزَّوْجِ.

وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ التَّسَاوِي، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْأَصْلَحِ لِلْمَيِّتِ فَيُجَابَ طَالِبُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ أَوْ أَصْلَحَ أَوْ مُجَاوِرَةً لِأَخْيَارٍ وَالْأُخْرَى بِالضِّدِّ، بَلْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلَحِ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ اعْتِرَاضَهُمْ فِيهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ دَفَنَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْقَلْ، وَقَبْلَ دَفْنِهِ فِي ذَلِكَ لَهُمْ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْنِهِ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ فَيُجَابُونَ لِدَفْنِهِ فِي الْمُسْبَلَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ فِي مَالِي وَالْبَاقُونَ فِي الْأَكْفَانِ الْمُسْبَلَةِ حَيْثُ يُجَابُ الْأَوَّلُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالدَّفْنِ فِي الْمُسْبَلَةِ مِنْ غَيْرِ عَارٍ يَلْحَقُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَكْفَانِ الْمُسْبَلَةِ، وَلَوْ دَفَنَهُ بَعْضُهُمْ فِي أَرْضِ التَّرِكَةِ فَلِلْبَاقِينَ لَا لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْوَرَثَةِ نَقْلُهُ، وَيُكْرَهُ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

أَمَّا لَوْ دَفَنُوهُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي نَقْلُهُ لِسَبْقِ حَقِّهِمْ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ، وَالْمَحَلُّ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ بِلَى الْمَيِّتِ أَوْ اتِّفَاقُ نَقْلِهِ.

وَلَوْ مَاتَ رَقِيقٌ، وَتَنَازَعَ قَرِيبُهُ وَسَيِّدُهُ فِي مَقْبَرَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فَفِي الْمُجَابِ مِنْهُمَا احْتِمَالَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ لَا، وَأَوْجُهُهُمَا إجَابَةُ السَّيِّدِ، وَلَوْ أَعَدَّ لِنَفْسِهِ قَبْرًا لَمْ يُكْرَهْ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لِلِاعْتِبَارِ.

قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا، وَوَافَقَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاسْتَثْنَى مَا إذَا مَاتَ عَقِبَهُ، وَلَا يَجُوزُ دَفْنُ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَا عَكْسُهُ، فَإِنْ اخْتَلَطُوا أُفْرِدُوا بِمَقْبَرَةٍ كَمَا مَرَّ، وَيَجُوزُ جَعْلُ مَقْبَرَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ انْدِرَاسِهَا مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَمَسْجِدًا إذْ مَسْجِدُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ وَمِنْهُ الْأَبُ حَيْثُ نَازَعَتْهُ الْأُمُّ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لَهُمْ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْنِهِ) أَيْ فِيهَا فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَلَوْ قَالَ فِيهِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ لِسَبْقِ حَقِّهِمْ) أَيْ فَحَيْثُ وَضَعُوهُ بِاخْتِيَارِهِمْ صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَلَا يُمَكِّنُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ إخْرَاجِهِ.

(قَوْلُهُ: وَأَوْجُهُهُمَا إجَابَةُ السَّيِّدِ) وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ لَهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْحُرِّ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَهِيَ مِنْ الْقَرِيبِ أَقْرَبُ إجَابَةً لِشَفَقَتِهِ وَمَا هُنَا مِنْ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى السَّيِّدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى إلَخْ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُوصِ بِالدَّفْنِ فِيهِ، فَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ وَجَبَ دَفْنُهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَقْبَرَةُ مِلْكَهُ أَوْ مُسْبَلَةً، وَأَفَادَ قَوْلُهُ وَلَا يَصِيرُ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ الدَّفْنُ فِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرُهُ الدَّفْنُ فِيهِ بَعْدَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ إذَا تَعَدَّى أَحَدٌ بِالدَّفْنِ فِيهِ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ الْمَيِّتُ، وَلَا يَجُوزُ نَبْشُهُ كَمَا لَوْ شُرِعَ فِي الْإِحْيَاءِ وَتَحَجَّرَ مَوَاتًا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ الْبِنَاءُ فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا بَنَاهُ غَيْرَ مِلْكِهِ بِالْإِحْيَاءِ، هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْآنَ مِنْ حَفْرِ الْفَسَاقِيِ فِي الْمُسْبَلَةِ وَبِنَائِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ وَإِنْ جَازَ لَهُ الدَّفْنُ لَكِنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْهُ احْتِرَامًا لِلْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا وَخَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ بَعْثُ السَّجَاجِيدِ لِتُفْرَشَ فِي الْمَسَاجِدِ إلَى حُضُورِ أَرْبَابِهَا وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَأَنَّهُمْ وَإِنْ جَازَ لَهُمْ رَفْعُهَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَعَدَّى أَحَدٌ وَدَفَنَ فِيهِ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ وَلَا يَغْرَمُ مَا صَرَفَهُ الْأَوَّلُ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ هَدَرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ دَفْنُ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ) أَيْ حَيْثُ وُجِدَ غَيْرُهَا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ جَعْلُ مَقْبَرَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ) وَمِثْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْأَحْيَاءَ يَخْتَصُّونَ بِمَقَابِرِهِمْ فَلَعَلَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَةِ أَحْيَائِهِمْ (قَوْلُهُ: بَعْدَ انْدِرَاسِهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ انْدِرَاسِهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْحَرْبِيِّينَ لَا احْتِرَامَ لَهُمْ، بَلْ يَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِمْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[الدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّفْنُ بِالْبَيْتِ]

قَوْلُهُ وَأَوْجَهُهُمَا إجَابَةُ السَّيِّدِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>