للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبَاحَةُ مَا يَتَّخِذُهُ النِّسَاءُ فِي زَمَنِنَا مِنْ عَصَائِبِ الذَّهَبِ وَالتَّرَاكِيبِ، وَإِنْ كَثُرَ ذَهَبُهَا إذْ النَّفْسُ لَا تَنْفِرُ مِنْهَا بَلْ هِيَ فِي نِهَايَةِ الزِّينَةِ.

وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ كَمَا لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُ أَسَاوِرَ وَخَلَاخِيلَ لِتُلْبَسَ الْوَاحِدُ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ، وَيَأْتِي فِي لُبْسِ ذَلِكَ مَعًا مَا مَرَّ فِي الْخَوَاتِيمِ لِلرَّجُلِ، وَخَرَجَ بِالْمُبَالَغَةِ مَا لَوْ أَسْرَفَتْ وَلَمْ تُبَالِغْ فَلَا يَحْرُمُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لَا فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي آلَةِ الْحَرْبِ (حَيْثُ لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ) بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حِلُّهُمَا لِلْمَرْأَةِ، بِخِلَافِهِمَا لِغَيْرِهَا فَاغْتُفِرَ لَهَا قَبْلَ السَّرَفِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ اغْتِفَارِ السَّرَفِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ هُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْعِمَادِ وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ فِيهِمَا بِمُجَرَّدِ السَّرَفِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَكَالْمَرْأَةِ الطِّفْلُ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُقَيَّدُ بِغَيْرِ آلَةِ الْحَرْبِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا لُبْسُ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا إلَّا إنْ فَجَأَتْهُمَا الْحَرْبُ، وَلَمْ يَجِدَا غَيْرَهُ كَمَا مَرَّ أَيْضًا (وَكَذَا) يَحْرُمُ (إسْرَافُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (فِي آلَةِ الْحَرْبِ) فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ لِمَا مَرَّ، وَالسَّرَفُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَيُقَالُ فِي النَّفَقَةِ التَّبْذِيرُ وَهُوَ الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ، فَالسَّرَفُ الْمُنْفَقُ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِنْ قَلَّ إنْفَاقُهُ وَغَيْرُهُ الْمُنْفَقُ فِي طَاعَةٍ وَإِنْ أُفْرِطَ

(وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ) وَلَوْ بِتَحْلِيَةِ غُلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ (بِفِضَّةٍ) لِلرَّجُلِ وَغَيْرِهِ إكْرَامًا لَهُ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلْحَاقُ اللَّوْحِ الْمُعَدِّ لِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِالْمُصْحَفِ فِي ذَلِكَ.

وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَالْأَوَانِي (وَكَذَا) يَجُوزُ (لِلْمَرْأَةِ) فَقَطْ (بِذَهَبٍ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَالطِّفْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَنْ كَتَبَ الْمُصْحَفَ بِذَهَبٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كِتَابَتِهِ لِلرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ.

وَالثَّانِي الْجَوَازُ لَهُمَا.

وَالثَّالِثُ الْمَنْعُ لَهُمَا وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ عَنْ تَحْلِيَةِ الْكُتُبِ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُتُبُ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الذَّخَائِرِ، وَلَوْ حُلِّيَ الْمَسْجِدُ أَوْ الْكَعْبَةُ أَوْ قَنَادِيلُهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حَرُمَ، وَكَذَا تَعْلِيقُهَا إنْ حَصَلَ مِنْ التَّحْلِيَةِ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْآنِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ وَلِعَدَمِ نَقْلِهِ عَنْ السَّلَفِ فَهُوَ بِدْعَةٌ «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ وَلَوْ جَعَلَ الْقَنَادِيلَ الْمَذْكُورَةَ وَنَحْوَهَا وَقْفًا عَلَى مَسْجِدٍ لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ وَقْفِهِ إذَا حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْجَوَازَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مِنْ عَصَائِبِ الذَّهَبِ وَالتَّرَاكِيبِ) الَّتِي تُفْعَلُ بِالصَّوْغِ، وَتُجْعَلُ عَلَى الْعَصَائِبِ.

أَمَّا مَا يَقَعُ لِنِسَاءِ الْأَرْيَافِ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَثْقُوبَةِ أَوْ الذَّهَبِ الْمَخِيطِ عَلَى الْقُمَاشِ فَحَرَامٌ كَالدَّرَاهِمِ الْمَثْقُوبَةِ الْمَجْعُولَةِ فِي الْقِلَادَةِ كَمَا مَرَّ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَيْضًا حُرْمَةُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ ثَقْبِ دَرَاهِمَ وَتَعْلِيقِهَا عَلَى رَأْسِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ الْآتِي: وَكَالْمَرْأَةِ الطِّفْلُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُبَالِغْ فَلَا يَحْرُمُ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ السَّرَفِ) وَالْمُرَادُ بِالسَّرَفِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنْ تَفْعَلَهُ عَلَى مِقْدَارٍ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ زِينَةً كَمَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُهُ السَّابِقُ بَلْ تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ (قَوْلُهُ: وَالسَّرَفُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ) عِبَارَةُ الْكَرْمَانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ نَصُّهَا: الْإِسْرَافُ هُوَ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي، بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ فَإِنَّهُ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَ لَا يَنْبَغِي اهـ.

وَعَلَيْهِ فَالصَّرْفُ فِي الْمَعْصِيَةِ يُسَمَّى تَبْذِيرًا وَمُجَاوَزَةُ الثَّلَاثِ فِي الْوُضُوءِ يُسَمَّى إسْرَافًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ) يَعْنِي مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَلَوْ لِلتَّبَرُّكِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ حَجّ.

وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ كُتِبَ بِذَلِكَ عَلَى قَمِيصٍ مَثَلًا وَلَبِسَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَذَا تَعْظِيمَ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ التَّزَيُّنَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِتَحْلِيَةِ غِلَافِهِ) أَيْ بَابِ جِلْدِهِ (قَوْلُهُ اللَّوْحِ الْمُعَدِّ لِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ) أَيْ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَالْأَلْوَاحِ الْمُعَدَّةِ لِكِتَابَةِ بَعْضِ السُّوَرِ فِيمَا يُسَمُّونَهُ صِرَافَةً (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَاتِبُ فِيهِمَا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (قَوْلُهُ: بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ) أَيْ حَيْثُ يُغْتَفَرُ فِيهِ أَصْلُ السَّرَفِ لِلرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ

[تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ]

(قَوْلُهُ: عُلِمَ أَنَّ وَقْفَهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَنَادِيلِ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ بِالتَّحَلِّي هُنَا الزِّينَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>