للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ الْفِطْرَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ: اسْمٌ مُوَلَّدٌ لَا عَرَبِيٌّ وَلَا مُعَرَّبٌ بَلْ اصْطِلَاحٌ لِلْفُقَهَاءِ فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَتُقَالُ لِلْخِلْقَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْخِلْقَةِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ: أَيْ تَطْهِيرًا لَهَا وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا وَتُقَالُ لِلْمُخْرَجِ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ بِضَمِّ الْفَاءِ اسْمٌ لِلْمُخْرَجِ مَرْدُودٌ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْت أُخْرِجُهُ مَا عِشْت» وَلَا يُنَافِي حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ قَوْلُ ابْنِ اللَّبَّانِ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِأَنَّهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، لَكِنْ صَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا لِغَيْرِ ابْنِ اللَّبَّانِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ فَلَا يَتَخَرَّقُ بِهِ الْإِجْمَاعُ، أَوْ يُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

(بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ) (قَوْلُهُ: زَكَاةُ الْفِطْرِ) أَيْ بَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ اسْمٌ مُوَلَّدٌ) أَيْ نَطَقَ بِهِ الْمُوَلَّدُونَ.

(قَوْلُهُ: لَا عَرَبِيٌّ) الْعَرَبِيُّ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ مِمَّا وَضَعَهُ وَاضِعُ لُغَتِهِمْ وَلَا مُعَرَّبٌ هُوَ لَفْظٌ غَيْرُ عَرَبِيٍّ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ بِتَغَيُّرٍ مَا (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ) أَيْ الْفِطْرَةُ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً) أَيْ فِي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ وَالْأَنْسَبُ فِي التَّفْرِيعِ أَنْ يَقُولَ: فَتَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً أَوْ اصْطِلَاحِيَّةً؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا أُخِذَتْ التَّسْمِيَةُ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ، أَمَّا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَاسْتَعْمَلُوهُ فَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ بَلْ يُسَمَّى حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً أَوْ اصْطِلَاحِيَّةً. ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً: فَإِنْ قُلْت: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ فَتَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً؛ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّةَ مَا كَانَتْ بِوَضْعِ الشَّارِعِ. قُلْت: هَذِهِ النِّسْبَةُ لُغَوِيَّةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَالْمُرَادُ حَقِيقَةٌ مَنْسُوبَةٌ لِحَمَلَةِ الشَّرْعِ وَهُمْ الْفُقَهَاءُ، وَالنِّسْبَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهَا وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ النِّسْبَةِ فِي " شَرْعِيَّةً " بِاعْتِبَارِ الِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّ هِيَ مَا كَانَ بِوَضْعِ الشَّارِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ وَتُقَالُ لِلْخِلْقَةِ) ظَاهِرُ هَذَا الصَّنِيعِ يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الْفِطْرَةِ سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِ الْخِلْقَةَ أَوْ الْقَدْرَ الْمُخْرَجَ مُوَلَّدٌ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّ اصْطِلَاحَاتِ الْفُقَهَاءِ حَادِثَةٌ، وَإِطْلَاقُ الْفِطْرَةِ عَلَى الْخِلْقَةِ لَيْسَ مِنْ اصْطِلَاحَاتِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَعَلَّهَا مُوَلَّدَةٌ لِلنَّظَرِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: وَتَنُمِّيهِ) عَطْفٌ مُغَايِرٌ (قَوْلُهُ: وَتُقَالُ لِلْمُخْرَجِ) أَيْ تُقَالُ الْفِطْرَةُ بِالْكَسْرِ لِلْمَالِ الْمُخْرَجِ بِفَتْحِ الرَّاءِ.

(قَوْلُهُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) إنَّمَا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِمَا هُمَا اللَّذَانِ كَانَا مَوْجُودَيْنِ إذْ ذَاكَ اهـ. وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: إذْ كَانَ) أَيُّ وَقْتٍ كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

(بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ) (قَوْلُهُ: الْفِطْرَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُمَهِّدَ لِهَذَا بِشَيْءٍ يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَيُقَالُ لَهَا الْفِطْرَةُ وَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُوَلَّدٌ لَا عَرَبِيٌّ وَلَا مُعَرَّبٌ) بِمَعْنَى أَيْ وَضْعُهُ عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ مُوَلَّدٌ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً، وَإِلَّا فَالْمُوَلَّدُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي وَلَّدَهُ النَّاسُ بِمَعْنَى اخْتَرَعُوهُ وَلَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْفِطْرَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>