للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِبِئْرٍ بَيْنَ طَرِيقِ جُدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا فَصَدَّهُ الْكُفَّارُ فَقَدَّمَ فِعْلَهُ ثُمَّ أَمْرَهُ ثُمَّ هَمَّهُ، وَإِنْ زَادَتْ مَسَافَةُ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْهَمِّ الْمَذْكُورِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَصَوَّبَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَإِنَّمَا هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ.

وَيُجَابُ بِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ هَمَّ أَوَّلًا بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا ثُمَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ هَمَّ بِالدُّخُولِ مِنْهَا، وَيُنْدَبُ لِمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنُ وَادٍ ثُمَّ يُحْرِمُ.

وَيُسَنُّ الْخُرُوجُ عَقِبَ الْإِحْرَامِ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ بَعْدَهُ.

بَابُ الْإِحْرَامِ هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ كَمَا يُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الدُّخُولِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ فِيهِمَا أَوْ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُطْلَقُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: الْإِحْرَامُ رُكْنٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي وَهُوَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِمْ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالنِّيَّةِ، وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ هُنَا لِلْفَرْضِ اتِّفَاقًا.

سُمِّيَ بِذَلِكَ إمَّا لِاقْتِضَائِهِ دُخُولُ الْحَرَمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ كَأَنْجَدَ إذَا دَخَلَ نَجْدًا أَوْ لِاقْتِضَائِهِ تَحْرِيمَ الْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ (يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ (مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ» ، وَلَوْ نَوَى حَجَّتَيْنِ أَوْ نِصْفَ حِجَّةٍ انْعَقَدَ حِجَّةً أَوْ عُمْرَتَيْنِ أَوْ نِصْفَ عُمْرَةٍ انْعَقَدَ عُمْرَةً قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَتِي النِّصْفِ وَإِلْغَاءٌ لِلْإِضَافَةِ إلَى ثِنْتَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْ الْحَجَّتَيْنِ وَالْعُمْرَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فَصَحَّ فِي وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِفَرْضَيْنِ لَا يَسْتَبِيحُ إلَّا وَاحِدًا كَمَا مَرَّ، وَفَارَقَ عَدَمَ الِانْعِقَادِ فِي نَظِيرِهِمَا مِنْ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يُحَافِظُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ، وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً كَمَا مَرَّ (وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (مُطْلَقًا) وَذَلِكَ (بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ فِي النُّسُكِ الصَّالِحِ لِلْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ أَحْرَمْت.

رَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ: أَيْ نُزُولَ الْوَحْيِ، فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْخُرُوجِ عَازِمًا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا إثْمَ وَإِلَّا أَثِمَ، وَظَنِّيٌّ أَنَّ النَّقْلَ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْ

(قَوْلُهُ: بَيْنَ طَرِيقِ جُدَّةَ) أَيْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ حَجّ (قَوْلُهُ: فَقَدَّمَ فِعْلَهُ) أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِلِاتِّبَاعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ إحْرَامَاتِهِ بِالْعُمْرَةِ كَانَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بَطْنَ وَادٍ) أَيْ: أَيُّ وَادٍ كَانَ.

[بَابُ الْإِحْرَامِ]

(قَوْلُهُ: هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ إلَخْ) أَيْ شَرْعًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ، وَالثَّانِي هُوَ الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ هُنَا إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَقَعُ مِنْ الْبَالِغِ الْحُرِّ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِهَا (قَوْلُهُ: فِي نَظِيرِهِمَا مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ نَوَى صَلَاتَيْنِ أَوْ نِصْفَ صَلَاةٍ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ (قَوْلُهُ: مُهِلِّينَ) أَيْ مُحْرِمِينَ (قَوْلُهُ: فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مُطْلَقِينَ، لَكِنْ سَيَأْتِي لَهُ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ أَنْ يَجْعَلَ حَجَّهُ عُمْرَةٍ» ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

بَابُ الْإِحْرَامِ) (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يُحَافَظُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ) الْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظِ الْحَجِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>