للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَاقِدَيْنِ (بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ) أَيْ الْعَقْدِ صَرِيحًا كَتَخَايَرْنَا وَأَمْضَيْنَاهُ وَأَجَزْنَاهُ وَأَبْطَلْنَا الْخِيَارَ وَأَفْسَدْنَاهُ لِأَنَّهُ حَقُّهُمَا فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِمَا، أَوْ ضَمِنَا بِأَنْ يَتَبَايَعَا الْعِوَضَيْنِ بَعْدَ قَبْضِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ إذْ ذَلِكَ مُتَضَمِّنٌ لِلرِّضَا بِلُزُومِ الْأَوَّلِ فَلَا تَرُدُّ هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا) لُزُومَهُ (سَقَطَ حَقُّهُ وَبَقِيَ) الْخِيَارُ (لِلْآخَرِ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَقَوْلُ أَحَدِهِمَا اخْتَرْت أَوْ خَيَّرْتُك يَقْطَعُ خِيَارَهُ لِرِضَاهُ بِلُزُومِهِ لَا خِيَارِ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَقُلْ اخْتَرْت إذْ السُّكُوتُ غَيْرُ مُتَضَمِّنٌ لِلرِّضَا، وَلَوْ أَجَازَا فِي الرِّبَوِيِّ قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ وَإِنْ تَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَ) يَنْقَطِعُ أَيْضًا بِمُفَارَقَةِ مُتَوَلِّي طَرَفَيْ عَقْدٍ لِمَجْلِسِهِ (وَبِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا) وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَا بِرُوحِهِمَا كَمَا يَأْتِي فِي الْمَوْتِ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا» وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ إذَا بَاعَ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ.

لَا يُقَالُ: قَضِيَّةُ ذَلِكَ حِلُّ الْفِرَاقِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ صَاحِبُهُ وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَقْطَعُهُ وَيُقَاسُ بِالْمَذْكُورِ مَا فِي مَعْنَاهُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَبَايَعَا الْعِوَضَيْنِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِتَبَايُعِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَأَنْ أَخَذَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْهُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ إجَازَةٌ وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْقِطَاعَ الْخِيَارِ بِمَا ذُكِرَ، فَلَعَلَّ قَوْلَهُ الْعِوَضَيْنِ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ كِنَايَاتِهِ أَحْبَبْت الْعَقْدَ أَوْ كَرِهْته (قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ) أَيْ التَّبَايُعُ (قَوْلُهُ عَلَى مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) وَهُوَ قَوْلٌ بِالتَّخَايُرِ وَبِالتَّفَرُّقِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ أَحَدِهِمَا اخْتَرْت) لَوْ قَالَ أَجَزْت فِي النِّصْفِ وَفَسَخْت فِي النِّصْفِ غَلَبَ الْفَسْخُ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ أَجَزْت أَوْ فَسَخْت بِالتَّرَدُّدِ أَوْ عَكَسَ ذَلِكَ عُمِلَ بِالْأَوَّلِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا اهـ مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ سم عَلَى حَجّ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ قَالَ أَجَزْت فِي النِّصْفِ أَوْ قَالَ فَسَخْت فِي النِّصْفِ وَسَكَتَ عَنْ النِّصْفِ الْآخَرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَعْنَى فَسَخْت فِي النِّصْفِ أَوَّلًا وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ ثَانِيًا فَالِانْفِسَاخُ فِي الْكُلِّ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فَسَخْت فِي النِّصْفِ وَأَجَزْت فِي الْآخَرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ فِي الْكُلِّ تَغْلِيبًا لِلْفَسْخِ.

وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَاجِعَ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْإِجَازَةَ فِي النِّصْفِ وَالْفَسْخَ فِي الْبَاقِي انْفَسَخَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْإِجَازَةَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مَثَلًا وَفِي الثَّانِي أَيْضًا نَفَذَتْ الْإِجَازَةُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ حَالٌ بِأَنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ لَعَامًّا قَالَهُ لِتَعَارُضِ الْأَمْرَيْنِ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ الْخِيَارُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ (قَوْلُهُ: وَيَنْقَطِعُ أَيْضًا بِمُفَارَقَتِهِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِالتَّفَرُّقِ إلَخْ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ خِيَارَهُ إنَّمَا يَنْقَطِعُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ مَحَلِّهِ كَمُفَارَقَةِ الْعَاقِدَيْنِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَهُوَ لَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ وَإِنْ تَمَاشَيَا مَنَازِلَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَبِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا) .

[فَرْعٌ] كَاتَبَ بِالْبَيْعِ غَائِبًا امْتَدَّ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَ بُلُوغِ الْخَبَرِ، وَامْتَدَّ خِيَارُ الْكَاتِبِ إلَى مُفَارِقَتِهِ الْمَجْلِسَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَرَّ.

وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الرَّوْضَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ مِنْ امْتِدَادِ خِيَارِ الْكَاتِبِ إلَى انْقِطَاعِ خِيَارِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ لَوْ فَارَقَ الْحَيَّ مَجْلِسَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ لِغَائِبٍ لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْكَاتِبِ إلَّا بِمُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَكَذَا هُنَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: هُنَيْهَةً) أَيْ قَلِيلًا (قَوْلُهُ لَا يُقَالُ قَضِيَّةُ ذَلِكَ) أَيْ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ (قَوْلُهُ: «إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ» ) أَيْ مَشْرُوطٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ تَعَقُّبُهُ فِي الْهِبَةِ ذَاتِ الثَّوَابِ

[يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالتَّخَايُرِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ]

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُ أَحَدِهِمَا اخْتَرْتُ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: اخْتَرْ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ) التَّعْبِيرُ هُنَا بِلَا يُقَالُ فِيهِ حَزَازَةٌ إذْ كَوْنُهُ قَضِيَّةَ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ مَا ذُكِرَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>