للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ) فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَالِبًا (صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِلْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الشَّهِيرَةِ فِيهَا مِنْهَا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ» وَقَدْ تَحْرُمُ إنْ عَلِمَ: أَيْ وَلَوْ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ.

لَا يُقَالُ: تَجِبُ لِلْمُضْطَرِّ لِتَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْبَدَلِ إلَّا بَعُوضٍ وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ.

نَعَمْ مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِلِالْتِزَامِ، وَلَيْسَ لَهُ ثَمَّ وَلِيٌّ يُمْكِنُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِيهِ، وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ أَنَّهُ يُلْزِمُ الْمُوسِرِينَ عَلَى الْكِفَايَةِ نَحْوَ إطْعَامِ الْمُحْتَاجِينَ (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ) وَلَوْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى لِخَبَرِ «تُصُدِّقَ اللَّيْلَةُ عَلَى غَنِيٍّ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ» وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ مَالُهُ أَوْ كَسْبُهُ إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْأَوْجَهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا عَدَمُ الِاعْتِبَارِ بِكَسْبٍ حَرَامٍ أَوْ غَيْرِ لَائِقٍ بِهِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَصْلٌ) فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَالِبًا) أَيْ وَإِلَّا فَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ كَالزَّكَاةِ، وَهَلْ تُطْلَقُ عَلَى النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَدِمَاءِ الْحَجِّ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَفِي كَلَامِ الْبَهْجَةِ وَشَرْحِهَا لِلشَّيْخِ مَا يُفِيدُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: حَتَّى يَفْصِلَ بَيْنَ النَّاسِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ) وَهَلْ يَمْلِكُهَا حِينَئِذٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ عَدَمُ الْمَلِكِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ جَرَيَانُ ذَلِكَ) أَيْ الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَجِبُ لِلْمُضْطَرِّ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُلْزِمُ الْمُوسِرِينَ) رَاجِعْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُضْطَرِّ، وَقَدْ يُصَوَّرُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُضْطَرِّ الْمُحْتَاجِ بِمَا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ مِنْ غَيْرِ الْمَيَاسِيرِ، أَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ غَنِيًّا لَكِنْ فَقَدَ مَا يَتَنَاوَلُهُ وَوَجَدَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمهُ دَفْعُهُ لَهُ مَجَّانًا فَلَا إشْكَالَ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ مَالُهُ أَوْ كَسْبُهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَنِيِّ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ (قَوْلُهُ: عَدَمُ الِاعْتِبَارِ) أَيْ فَلَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلْغَنِيِّ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْغَنِيِّ وَلَوْ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَّضِحُ الِاسْتِثْنَاءُ الْآتِي عَنْ الْغَزَالِيِّ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ لِمَنْ يَعْرِفُ (قَوْلُهُ: إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ) أَيْ أَوْ سَأَلَ اهـ حَجّ: أَيْ وَمَعَ حُرْمَةِ الْقَبُولِ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَقَوْلُ سم: يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ: أَيْ فِيمَا لَوْ سَأَلَ، أَمَّا لَوْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ وَظَنَّهُ الدَّافِعُ مُتَّصِفًا بِهَا لَمْ يَمْلِكْ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رِضًا مِنْ صَاحِبِهِ إذْ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ إلَّا عَنْ ظَنِّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

(فَصْلٌ) فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَحْرُمُ إنْ عَلِمَ إلَخْ) أَيْ وَكَمَا يَأْتِي فِي اسْتِدْرَاكِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي (قَوْلُهُ: أَيْ وَلَوْ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مُبَايِنَةٌ لِحَقِيقَةِ الظَّنِّ فَلَا يَصِحُّ أَخْذُهُ غَايَةً فِيهِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقَدْ تَحْرُمُ إنْ عَلِمَ وَكَذَا إنْ ظَنَّ فِيمَا يَظْهَرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِيهِ) قَالَ الشِّهَابُ حَجّ: حَيْثُ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم مَا نَصُّهُ: فِيهِ نَظَرٌ دَقِيقٌ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ.

وَكَأَنَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّهُ صَارَ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ مُخَيَّرًا بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ دَفْعِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَمْ تَجِبْ الصَّدَقَةُ عَيْنًا فَسَاوَى الْمُتَأَهِّلَ وَمَنْ لَهُ وَلِيٌّ حَاضِرٌ، إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ أَيْضًا بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الْبَذْلِ بِعِوَضٍ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ إنَّمَا حَذَفَ هَذَا الْقَيْدَ لِهَذَا النَّظَرِ، لَكِنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَهُ إنْ كَانَ الْحُكْمُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَأَهِّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>