للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْخُلْعِ بِالضَّمِّ مِنْ الْخَلْعِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ النَّزْعُ، لِأَنَّ كُلًّا لِبَاسٌ لِلْآخَرِ كَمَا فِي الْآيَةِ. وَأَصْلُهُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: ٤] الْآيَةَ، وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَقَدْ سَأَلَتْهُ زَوْجَتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى حَدِيقَتِهَا الَّتِي أَصْدَقَهَا إيَّاهَا: خُذْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ كَالطَّلَاقِ، وَسَوَاءٌ فِي جَوَازِهِ حَالَةَ الشِّقَاقِ وَالْوِفَاقِ، فَلَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ كَانَ فِي التَّخَلُّصِ بِهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ، وَإِذَا فَعَلَ الْخُلْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إذَا أَعَادَهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ أَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ بَعْدَ الثَّلَاثِ لَا يُفِيدُ رَفْعَ التَّحْلِيلِ، وَإِنَّمَا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ هُنَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى أَمْرِهِ بِالْإِشْهَادِ لِإِثْمٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهَا هُنَا لَا تَرْفَعُ الْعَقْدَ الْمُوجِبَ لِلْوُقُوعِ بِخِلَافِهَا ثَمَّ فَكَانَتْ التُّهْمَةُ فِيهَا أَقْوَى، وَلَوْ مَنَعَهَا نَحْوَ نَفَقَتِهَا لِتَخْتَلِعَ مِنْهُ بِمَالٍ فَفَعَلَتْ بَطَلَ الْخُلْعُ وَوَقَعَ رَجْعِيًّا أَوَّلًا بِقَصْدِ ذَلِكَ وَقَعَ بَاطِنًا وَيَأْثَمُ بِمَنْعِهِ فِي الْحَالَيْنِ وَإِنْ تَحَقَّقَ زِنَاهَا، كَذَا نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لَكِنَّهُ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْمَصَادِرِ لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَهَا حَقَّهَا لَمْ يُكْرِهَهَا عَلَى الْخُلْعِ بِخُصُوصِهِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا اقْتَرَنَ الْمَنْعُ بِقَصْدِ الْخُلْعِ وَكَانَ يَعْسُرُ تَخْلِيصُ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهُ بِالْحَاكِمِ لِمَشَقَّتِهِ وَتَكَرُّرِهِ، نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ بِالنِّسْبَةِ لِالْتِزَامِ الْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ (هُوَ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ) مَقْصُودٍ كَمَيْتَةٍ، وَقَوَدٍ لَهَا عَلَيْهِ رَاجِعٌ لِجِهَةِ الزَّوْجِ أَوْ سَيِّدِهِ، وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ تَقْدِيرًا كَأَنْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي كَفِّهَا وَهُمَا عَالِمَانِ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، إذْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ فَيُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الِاخْتِلَاعِ، فَلَوْ خَالَعَ قَبْلَ أَخْذِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ.

كِتَابُ الْخُلْعِ (قَوْلُهُ: «خُذْ الْحَدِيقَةَ» ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ فِي مَنْهَجِهِ: «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ» إلَخْ، فَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُسْتَحَبُّ) أَيْ كَأَنْ كَانَتْ تُسِيءُ عِشْرَتَهَا مَعَهُ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ عَلَى تَرْكِ مَا لَا بُدَّ لَهُ إلَخْ سم عَلَى حَجّ وَمِثْلُهُ فِعْلُ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْكِهِ عَلَى مَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ) أَيْ نَدْبًا (قَوْلُهُ: وَوَقَعَ رَجْعِيًّا) ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ وَقَعَ بَائِنًا أَيْ لِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) أَيْ فَتَبَيَّنَ وَيَلْزَمُهَا مَا الْتَزَمَتْهُ فِي الصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ) غَايَةُ (قَوْلِهِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ أَوْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[كِتَابُ الْخُلْعِ]

ِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي التَّفْصِيلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ جَارٍ فِي عُمُومِ الْحَلِفِ عَلَى شَيْءٍ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُنْدَبُ حِينَئِذٍ الْخُلْعُ أَوْ لَا، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقَدْ يُسْتَحَبُّ كَالطَّلَاقِ وَيَزِيدُ هَذَا بِنَدْبِهِ لِمَنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ عَلَى شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِعَوْدِ الصِّفَةِ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِذَلِكَ لَا مَنْدُوبٌ، عَلَى أَنَّ فِي التَّخَلُّصِ بِهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي فِي الطَّلَاقَ فَتَفَطَّنْ لَهُ. اهـ. وَقَوْلُهُ لِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ إلَخْ: أَيْ فَلَمَّا جَرَى الْخِلَافُ فِي أَصْلِ التَّخَلُّصِ بِهِ انْتَفَى وَجْهُ الِاسْتِحْبَابِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) يَعْنِي فِي مُطْلَقِ مَا يَتَخَلَّصُ بِالْخُلْعِ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ) أَيْ بَيْنَ مَا إذَا مَنَعَهَا نَفَقَتَهَا لِتَخْتَلِعَ وَمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ إلَخْ) وَصْفٌ لِعِوَضٍ (قَوْلُهُ: أَوْ سَيِّدِهِ) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ التَّعْبِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>