للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ فِي رَمَضَانَ وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ وَقْتَ جَهْرٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً وَفَعَلَهَا لَيْلًا سُنَّ لَهُ تَوَسُّطٌ بَيْنَ جَهْرٍ وَإِسْرَارٍ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ رِيَاءً أَوْ تَشْوِيشًا عَلَى مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ، وَإِلَّا سُنَّ لَهُ الْإِسْرَارُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

وَيُقَاسُ عَلَى مَا ذُكِرَ مَنْ يَجْهَرُ بِذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ بِحَضْرَةِ مَنْ يَشْتَغِلُ بِمُطَالَعَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ تَصْنِيفٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، قَالَ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ بِكَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَالْمُرَادُ بِالتَّوَسُّطِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَدْنَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ إلَى سَمَاعِ مَنْ يَلِيهِ وَفِيهِ عُسْرٌ، وَلَعَلَّهُ مَلْحَظُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَكَادُ يَتَحَرَّرُ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَجْهَرَ تَارَةً وَيُسِرَّ أُخْرَى كَمَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: وَلَا يَسْتَقِيمُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ تَعَقُّلِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا وَقَدْ عُلِمَ تَعَقُّلُهَا، وَيُسْتَحَبُّ سُكُوتُ الْإِمَامِ بَعْدَ تَأْمِينِهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ، وَيَشْتَغِلُ حِينَئِذٍ بِدُعَاءٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ سِرًّا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى وَالسَّكَتَاتُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ: سَكْتَةٌ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَفْتَتِحُ فِيهَا، وَثَانِيَةٌ بَيْنَ وَلَا الضَّالِّينَ وَآمِينَ، وَثَالِثَةٌ لِلْإِمَامِ بَيْنَ التَّأْمِينِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ، وَرَابِعَةٌ قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ.

وَتَسْمِيَةُ كُلٍّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ سَكْتَةٌ مَجَازٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْكُتُ حَقِيقَةً لِمَا تَقَرَّرَ فِيهِمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَدَّهَا الزَّرْكَشِيُّ خَمْسَةً الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ وَسَكْتَةً بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالِافْتِتَاحِ وَسَكْتَةً بَيْنَ الِافْتِتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ، وَعَلَيْهِ لَا مَجَازَ إلَّا فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ التَّأْمِينِ (وَيُسَنُّ) لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامِ مَحْصُورِينَ مُتَّصِفِينَ بِمَا مَرَّ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الصَّلَاةُ الَّتِي يُصَلِّيهَا نَافِلَةً مُطْلَقَةً، وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَالْجَهْرُ فِي نَحْوِ عِيدٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: سُنَّ لَهُ تَوَسُّطٌ) قَضِيَّةُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَنَّ مَا طُلِبَ فِيهِ الْجَهْرُ كَالْعِشَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ لَا يَتْرُكُهُ لِمَا ذُكِرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ فَلَا يُتْرَكُ لِهَذَا الْعَارِضِ، وَخَرَجَ بِالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ رَوَاتِبُ الْفَرَائِضِ فَيُسِرُّ فِيهَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَنَّهَا لَمَّا شُرِعَتْ مَحْصُورَةً فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ فَلَمْ تُغَيَّرْ عَمَّا وَرَدَ فِيهَا عَنْ الشَّارِعِ وَالنَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ لَا حَصْرَ لَهَا فَهِيَ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الْعِقَابِ عَلَيْهَا أَشْبَهَتْ الرَّوَاتِبَ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُكَلَّفَ يُنْشِئُهَا بِاخْتِيَارِهِ وَأَنَّهَا لَا حَصْرَ لَهَا كَانَتْ وَاسِطَةً بَيْنَ الرَّوَاتِبِ وَالْفَرَائِضِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ بِخُصُوصِهَا فَطُلِبَ فِيهَا التَّوَسُّطُ لِتَكُونَ آخِذَةً طَرَفًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَخَصَّ التَّوَسُّطَ فِيهَا بِنَفْلِ اللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الْجَهْرِ وَالتَّوَسُّطُ قَرِيبٌ مِنْهُ.

وَبَقِيَ حِكْمَةُ الْجَهْرِ فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ مَا هِيَ، وَلَعَلَّهَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّيْلُ مَحَلَّ الْخَلْوَةِ وَيَطِيبُ فِيهِ السَّمَرُ شُرِعَ الْجَهْرُ فِيهِ إظْهَارًا لِلَّذَّةِ مُنَاجَاةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَخُصَّ بِالْأَوَّلِيَّيْنِ لِنَشَاطِ الْمُصَلِّي فِيهِمَا وَالنَّهَارُ لَمَّا كَانَ مَحَلَّ الشَّوَاغِلِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ طُلِبَ فِيهِ الْإِسْرَارُ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّفَرُّغِ لِلْمُنَاجَاةِ.

وَأُلْحِقَ الصُّبْحُ بِالصَّلَاةِ اللَّيْلِيَّةِ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّوَاغِلِ عَادَةً كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ (بِكَوْنِهِ سُنَّةً) مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَإِلَّا فَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ أَوْ وُجُوبَهُ كَرُؤْيَةِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ وَأَمْكَنَ مَنْعُهُ بِالْجَهْرِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَلِمَ تَعَقُّلَهَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِالتَّوَسُّطِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَدْنَى إلَخْ.

أَقُولُ: وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالتَّوَسُّطِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِهَا رَفْعًا لَا يَقْصِدُ بِهِ سَمَاعَ مَنْ عِنْدَهُ وَإِنْ سَمِعَهُ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى) أَيْ فَيَقْرَأُ مَثَلًا بَعْضَ السُّورَةِ الَّتِي يُرِيدُ قِرَاءَتَهَا سِرًّا فِي زَمَنِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِينَ ثُمَّ يُكْمِلُهَا جَهْرًا، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ مِمَّا يَلِي السُّورَةَ الَّتِي قَرَأَهَا فِي الْأُولَى سِرًّا قَدْرَ زَمَنِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِينَ ثُمَّ يُكْمِلُهَا جَهْرًا، وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

اُنْظُرْ هَلْ هَذَا فِي الْمُوَافِقِ، أَوْ فِي الْمَسْبُوقِ، أَوْ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً) أَيْ الصَّلَاةُ الْمَفْهُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ عَلَى مَا ذُكِرَ مَنْ يَجْهَرُ إلَخْ) أَيْ فَيُطْلَبُ مِنْهُ الْإِسْرَارُ فِي الْحَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَخَفْ إلَخْ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِيمَا يَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْوَاسِطَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجَهْرِ إلَخْ) أَيْ الْوَاقِعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ: أَيْ فَلَا يُنَافِي طَلَبَ الْإِسْرَارِ فِيمَا ذُكِرَ لِهَذَا الْعَارِضِ (قَوْلُهُ: لِمُنْفَرِدٍ، وَإِمَامِ مَحْصُورَيْنِ إلَخْ) هَذَا بِالنَّظَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>