للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُخُولِ (الْوَقْتِ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا بِالِاجْتِهَادِ، فَمَنْ صَلَّى بِدُونِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ صَادَفَتْ الْوَقْتَ كَمَا مَرَّ (وَ) ثَانِيهَا (الِاسْتِقْبَالُ) كَمَا مَرَّ أَيْضًا.

(وَ) ثَالِثُهَا (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) عَنْ الْعُيُونِ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ خَالِيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ فِيهَا، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَهُوَ هُنَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي الْأَوَّلِ إطْلَاقُ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَفِي الثَّانِي إطْلَاقُ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ لِوُجُودِ الِاتِّصَالِ الذَّاتِيِّ بَيْنَ الْحَالِ وَالْمَحَلِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَخْذَ الزِّينَةِ وَهِيَ عَرَضٌ مُحَالٌ فَأُرِيدَ مَحَلُّهَا وَهُوَ الثَّوْبُ مَجَازًا، وَلِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ» أَيْ بَالِغَةً " إلَّا بِخِمَارٍ " إذْ الْحَائِضُ زَمَنَ حَيْضِهَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا بِخِمَارٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغَةِ كَالْبَالِغَةِ لَكِنَّهُ قَيَّدَ بِهَا جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ صَلَّى عَارِيًّا وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَحِكْمَةُ وُجُوبِ السَّتْرِ فِيهَا مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مُرِيدِ التَّمَثُّلِ بَيْنَ يَدِي كَبِيرٍ مِنْ التَّجَمُّلِ بِالسَّتْرِ وَالتَّطْهِيرِ، وَالْمُصَلِّي يُرِيدُ التَّمَثُّلَ بَيْنَ يَدَيْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

تَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ التَّقَدُّمِ الذِّكْرِيِّ فَهُوَ بِمَعْنَى أَحَدِهَا وَبِهِ عَبَّرَ حَجّ.

(قَوْلُهُ: بِالِاجْتِهَادِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ ظَنًّا فَقَطْ أَوْ مَا فِي مَعْنَى الِاجْتِهَادِ كَإِخْبَارِ الثِّقَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ هُنَا مُطْلَقُ الْإِدْرَاكِ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَعْرِفَةِ لَا تَشْمَلُ الظَّنَّ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِمُوجِبٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ: أَيْ لِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) أَيْ لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَادَفَتْ الْوَقْتَ) فَرْعٌ اسْتِطْرَادِيٌّ وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ عِلْمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الْوَقْتِ مَثَلًا فَيُجِيبُ الْمَسْئُولُ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرِ كَذَا هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنْ ظَهَرَ لَهُ أَمَارَةٌ تُرَجِّحُ عِنْدَهُ مَا أَجَابَ بِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ الظَّاهِرَ يُفِيدُ السَّائِلَ أَنَّ هَذَا رَاجِحٌ عِنْدَ الْمُجِيبِ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ وَافَقَ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ) يُفِيدُ أَنَّ الثَّوْبَ يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ فَلْيُرَاجَعْ، وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ مَعَ الثَّوْبِ قِصَّةُ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهَا حِينَ أَلْقَتْ الْخِمَارَ عَنْ رَأْسِهَا لِتَخْتَبِرَ حَالَ جِبْرِيلَ لَمَّا كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ الْمَبْعَثِ هَلْ هُوَ مَلَكٌ أَوْ لَا، فَإِنَّ الْمَلَكَ لَا يُرَى لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ عَدَمِ السِّتْرِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهَمْزِيَّةِ بِقَوْلِهِ:

فَأَمَاطَتْ عَنْهَا الْخِمَارَ لِتَدْرِي ... أَهُوَ الْوَحْيُ أَمْ هُوَ الْإِغْمَاءُ

فَاخْتَفَى عِنْدَ كَشْفِهَا الرَّأْسَ جِبْرِي ... لَ فَمَا عَادَ أَوْ أُعِيدَ الْغِطَاءُ

(قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوَّلِ) أَيْ إطْلَاقُ الزِّينَةِ عَلَى الثِّيَابِ: وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَيْ إطْلَاقُ الْمَسْجِدِ عَلَى الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْحَمْلُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الثَّوْبُ مَجَازًا) عِبَارَةُ الْقَامُوسِ الزِّينَةُ بِالْكَسْرِ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ. اهـ.

وَعَلَيْهِ فَلَا مَجَازَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا فِي الْقَامُوسِ مَجَازٌ، وَهُوَ كَثِيرًا مَا يَرْتَكِبُهُ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ) أَيْ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ النِّسَاءِ لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا مِنْ الْبَالِغَاتِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَى تَقْصِيرٍ لِمَا يَأْتِي لَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ اشْتَبَهَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الثَّوْبَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ عَنْ ذَلِكَ: أَيْ السِّتْرِ (قَوْلُهُ: صَلَّى عَارِيًّا) أَيْ الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ عَلَى مَا مَرَّ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ اعْتِمَادِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ فِي هَذِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[مِنْ شُرُوط الصَّلَاة سَتْرُ الْعَوْرَةِ]

قَوْلُهُ: عَنْ الْعُيُونِ) أَيْ بِفَرْضِ وُجُودِهَا (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِلشِّهَابِ حَجّ فِي الْإِمْدَادِ، لَكِنَّ ذَاكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْإِرْشَادَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى السَّتْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ عَدَمَهُ مُبْطِلٌ حَيْثُ قَالَ وَبِعَدَمِ سَتْرٍ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِحَدَثٍ مِنْ قَوْلِهِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِحَدَثٍ، فَاحْتَاجَ فِي الشَّرْحِ إلَى مَا ذُكِرَ لِيَتِمَّ الدَّلِيلُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>