للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ الْقَصْرُ وَاجِبًا، وَأَنَّهُ لَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْأُولَى عَنْ الطَّهَارَةِ وَالْقَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَنْوِيَ تَأْخِيرَهَا إلَى الثَّانِيَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إيقَاعِهَا بِهِ أَدَاءً (وَالصَّوْمُ) فِي رَمَضَانَ وَيَلْحَقُ بِهِ كُلُّ صَوْمٍ وَاجِبٍ بِنَحْوِ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ كَانَ السَّفَرُ سَفَرَ قَصْرٍ (أَفْضَلُ مِنْ الْقَصْرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى تَبْرِئَةِ الذِّمَّةِ وَعَدَمِ إخْلَاءِ الْوَقْتِ عَنْ الْعِبَادَةِ وَلِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] هَذَا (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ) فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ لِنَحْوِ أَلَمٍ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ عَادَةً فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا صَائِمًا فِي السَّفَرِ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» نَعَمْ لَوْ خَشِيَ مِنْهُ تَلَفَ شَيْءٍ مُحْتَرَمٍ نَحْوِ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ وَجَبَ الْفِطْرُ، فَإِنْ صَامَ كَانَ عَاصِيًا وَأَجْزَأَهُ، وَلَوْ خَشِيَ ضَعْفًا مَآلًا لَا حَالًا فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا لِمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَةَ التَّرَخُّصِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ إطْلَاقَ الْأَذْرَعِيِّ وَكَذَا سَائِرُ الرُّخْصِ نَظِيرُ مَا مَرَّ.

(فَصْلٌ) فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (يَجُوزُ) (الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا) فِي وَقْتِ الْأُولَى لِغَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ ظَنُّ صِحَّةِ الْأُولَى

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ الْعِشَاءِ.

(قَوْلُهُ: كَانَ الْقَصْرُ وَاجِبًا) نَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ خِلَافَهُ حَيْثُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: وَسُئِلَ عَمَّنْ أَخَّرَ ذَلِكَ: أَعْنِي الظُّهْرَ مَثَلًا حَتَّى بَقِيَ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَصْدٍ هَلْ يَجِبُ الْقَصْرُ؟ فَأَجَابَ لَا، قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ بِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي إخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ أَثِمَ، وَالْقَصْرُ بَعْدُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ إثْمَ التَّأْخِيرِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي الْعِشَاءِ وَبِفِعْلِهَا مَقْصُورَةً تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا إلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا بِخِلَافِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَّرَهَا حَتَّى بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً تَحَقَّقَتْ مَعْصِيَتُهُ وَإِنْ قَصَرَ.

(قَوْلُهُ: لِقُدْرَتِهِ عَلَى إيقَاعِهَا بِهِ أَدَاءً) هَذَا قَدْ يُخَالِفُ مَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ وَلَمْ يَنْوِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُهَا كَامِلَةً عَصَى وَكَانَتْ قَضَاءً، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا كَانَ الزَّمَنُ الْبَاقِي لَا يَسَعُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةُ مَقْصُورَةٌ، لَكِنَّهُ لَوْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ وَصَلَّى أَمْكَنَهُ وُقُوعُهَا كُلِّهَا فِي الْوَقْتِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ. ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ وَعَنْ الطَّهَارَةِ وَالْقَصْرِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ قَصْرَ الْأُولَى، فَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكْفِي نِيَّةُ التَّأْخِيرِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ ضِيقُهُ عَنْ الْقَصْرِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ مَعَ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ قَصْرَ الصَّلَاتَيْنِ، وَلُزُومُ نِيَّةِ التَّأْخِيرِ بِعَيْنِهَا مَمْنُوعٌ بَلْ هِيَ أَوْ فِعْلُ الْأُولَى وَحْدَهَا فِي وَقْتِهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَمَنْعِ قَوْلِهِ فَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إلَخْ؛ لِأَنَّ ضِيقَهُ عَنْ الطَّهَارَةِ وَالْقَصْرِ صَادِقٌ بِعَدَمِ ضِيقِهِ عَنْ الْقَصْرِ وَحْدَهُ، وَنِيَّةُ التَّأْخِيرِ حِينَئِذٍ كَافِيَةٌ لِمَنْ عَزَمَ عَلَى الْقَصْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ نِيَّةِ التَّأْخِيرِ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا مَعَ طَهَارَتِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ الْآتِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِهِ كُلُّ صَوْمٍ وَاجِبٍ) قَالَ حَجّ: ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَقَلَ عَنْهُمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ يَجْرِي فِي الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ لِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ.

(قَوْلُهُ: عَادَةً) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَحْ التَّيَمُّمُ.

(قَوْلُهُ: فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الصَّوْمَ فِي غَيْرِهِمَا أَفْضَلُ مَعَ خَوْفِ الضَّعْفِ مَآلًا.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْفِطْرُ.

(قَوْلُهُ: مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ) أَيْ فَيُفْطِرُ الْقَدْرَ الَّذِي يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْعَمَلِ بِالرُّخْصَةِ

فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

(قَوْلُهُ: فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) أَيْ لِلسَّفَرِ أَيْ نَحْوِ الْمَطَرِ.

(قَوْلُهُ: تَقْدِيمًا فِي وَقْتِ الْأُولَى) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِمَا بِتَمَامِهِمَا فِي الْوَقْتِ فَلَا يَكْفِي إدْرَاكُ رَكْعَةٍ مِنْ الثَّانِيَةِ فِيهِ، وَتَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ سم عَلَى حَجّ، وَنَقَلَ عَنْ الشَّارِحِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>