للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَتَّهِمُهُ الْمَيِّتُ كَوَارِثٍ وَعَدُوٍّ وَحَاسِدٍ: أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَقَّنَهُ وَإِنْ اتَّهَمَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَلْقِينِهِ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَيْرُ صَحِيحٍ بِأَنَّ ذَاكَ لِسَبَبٍ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ فَاخْتَارَهُ وَ (بِلَا إلْحَاحٍ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَضْجَرَ فَإِنْ قَالَهَا لَمْ تُعَدْ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ وَلَوْ بِغَيْرِ كَلَامِ الدُّنْيَا خِلَافًا لِلصَّيْمَرِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لِتَكُونَ هِيَ آخِرَ كَلَامِهِ، فَقَدْ صَحَّ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَفِي الْمَجْمُوعِ: أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى مَرَّةٍ، وَقِيلَ يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا فَذَاكَ وَإِلَّا سَكَتَ يَسِيرًا، ثُمَّ يُعِيدُهَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَالتَّلْقِينُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَإِنْ ظَنَّ بَقَاءَ حَيَاتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ، وَقَالَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ: إنْ أَمْكَنَ جَمْعُهُمَا فُعِلَا مَعًا وَإِلَّا قَدَّمَ التَّلْقِينَ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ فِيهِ أَثْبَتُ، وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُمَيِّزِ، وَعَلَيْهِ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ هَذَا وَعَدَمِ نَدْبِ تَلْقِينِهِ بَعْدَ الدَّفْنِ مُطْلَقًا بِأَنَّ هَذَا لِلْمَصْلَحَةِ وَثَمَّ لِئَلَّا يُفْتَتَنُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ وَهَذَا لَا يُفْتَتَنُ.

(وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ) سُورَةُ (يس) نَدْبًا لِخَبَرِ «أَقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» أَيْ مَنْ حَضَرَهُ مُقَدِّمَاتُ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَا أَخَذَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَبَعْضِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلَك أَنْ تَقُولَ: لَا مَانِعَ مِنْ إعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، فَحَيْثُ قِيلَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَكُونَ عَقْلُهُ حَاضِرًا وَإِنْ ظَهَرَ لَنَا خِلَافُهُ وَإِنْ كُنَّا لَا نُرَتِّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: كَوَارِثٍ وَعَدُوٍّ إلَخْ) لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا شَيْءَ لَهُ فَالْوَجْهُ أَنَّ الْوَارِثَ كَغَيْرِهِ. قَالَ حَجّ: فَإِنْ حَضَرَ عَدُوٌّ وَوَارِثٌ فَالْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ حَضَرَ وَرَثَةٌ قُدِّمَ أَشْفَقُهُمْ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ حَضَرَ الْعَدُوُّ وَالْحَاسِدُ وَيَنْبَغِي خَاصَّةً تَقْدِيمُ الْحَاسِدِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْعَدُوِّ اهـ (قَوْلُهُ: الرَّفِيقُ الْأَعْلَى) أَيْ أُرِيدَ إلَخْ. قَالَ حَجّ فِي فَتَاوِيهِ الْحَدِيثِيَّةِ: قِيلَ هُوَ أَعْلَى الْمَنَازِلِ كَالْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى الْجَنَّةِ فَمَعْنَاهُ: أَسْأَلُك يَا اللَّهُ أَنْ تُسْكِنَنِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أُرِيدُ لِقَاءَك يَا اللَّهُ يَا رَفِيقُ يَا أَعْلَى. وَالرَّفِيقُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ» فَكَأَنَّهُ طَلَبَ لِقَاءَ اللَّهِ.

(قَوْلُهُ: غَيْرُ صَحِيحٍ) أَيْ فَلَوْ أَتَى بِهِ لَمْ تَحْصُلْ سُنَّةُ التَّلْقِينِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: بِلَا إلْحَاحٍ) قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَاتِ: فَإِنْ قُلْت: إذَا كُنْتُمْ مَعَاشِرَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَقُولُونَ إنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا دَخَلَ الْجَنَّةَ لَا مَحَالَةَ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ مَنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ النَّارَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَهَذَا الَّذِي تُلَقِّنُونَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ إذَا كَانَ مُؤْمِنًا مَاذَا يَنْفَعُهُ كَوْنُهَا آخِرَ كَلَامِهِ؟ قُلْت: لَعَلَّ كَوْنَهَا آخِرَ كَلَامِهِ قَرِينَةُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَعْفُو اللَّهُ عَنْ جَرَائِمِهِ فَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا كَمَا جَاءَ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ، وَإِذَا كُنَّا لَا نَمْنَعُ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِذُنُوبِهِ فَضْلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا، فَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَنْصِبَ اللَّهُ تَعَالَى النُّطْقَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ آخِرَ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ أَمَارَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِغَيْرِ كَلَامِ الدُّنْيَا) أَيْ وَلَوْ بِكَلَامٍ نَفْسِيٍّ بِأَنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ أَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَلِيٌّ قَالَهُ فِي الْخَادِمِ (قَوْلُهُ: دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيْ مَعَ الْفَائِزِينَ، وَإِلَّا فَكُلُّ مُسْلِمٍ وَلَوْ مُذْنِبًا مَآلُهُ لَهَا وَلَوْ عُذِّبَ وَطَالَ عَذَابُهُ اهـ سم اهـ عَلَى بَهْجَةٍ، وَمِثْلُهُ فِي حَجّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُمَيِّزِ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَيَخْرُجُ الْمَجْنُونُ، وَفِي سم عَلَى بَهْجَةٍ قَوْلُهُ وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمُمَيِّزِ لَا يَبْعُدُ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةُ يس) أَيْ بِتَمَامِهَا رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أُسَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ قَرَأَهَا وَهُوَ خَائِفٌ أَمِنَ، أَوْ جَائِعٌ شَبِعَ، أَوْ عَطْشَانٌ سُقِيَ، أَوْ عَارٍ كُسِيَ، أَوْ مَرِيضٌ شُفِيَ» اهـ دَمِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ) قَالَ حَجّ وَهُوَ أَوْجَهُ إذْ لَا صَارِفَ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَكَوْنُ الْمَيِّتِ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ لِبَقَاءِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[آدَابِ الْمُحْتَضَرِ]

قَوْلُهُ: فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلَفْظِ الْمَيِّتِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلْنَاهُ فِي حَقِيقَتِهِ تَكُونُ عَلَى بِمَعْنَى عِنْدَ عَلَى أَنَّ الشِّهَابَ حَجّ أَبْقَاهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا حِينَئِذٍ لِبَقَاءِ إدْرَاكِ الْمَيِّتِ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ (قَوْلُهُ: فَحَيْثُ قِيلَ) أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>