للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سنة، وأدرك الإسلام فأسلم، ودخل على معاوية بالشام وهو خليفة، فقال له: حدثني بأعجب ما رأيت، فقال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتاً لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع، فتمثلت بقول الشاعر:

يا قلب إنك من أسماء مغرور ... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير

قد بحت بالحب ما تخفيه من أحدٍ ... حتى جرت لك أطلاقاً محاضير

فلست تدري وما تدري أعاجلها ... أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير

فاستقدر الله خيراً به وارضينَّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير

الأبيات إلى قوله:

يبكي غريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور

قال: فقال لي رجل: أتعرف من قال هذا الشعر؟ قلت: لا، قال: إن قائله هذا الذي دفناه الساعة، وأنت الغريب الذي يبكي عليه ولست تعرفه، وهذا الذي خرج من قبره أمس الناس رحماً به، وأسرهم بموته. فقال له معاوية: لقد رأيت عجباً، فمن الميت؟ فقال: عثمان بن لبيد العذري.

وحكى الأصمعي قال: أنشدنا أبو عمرو:

فما جبنوا أنا نشد عليهم ... ولكن رأوا ناراً تحش وتسفعُ

قال: فذكرت ذلك لشعبة، فقال: ويلك! إنما هو "تحسَّ وتسفع" أي تحرق وتسوَّد.

قال الأصمعي: وقد أصاب أبو عمرو، لأن معنى "تحشُّ" توقد، وقد أصاب شعبة أيضاً، ولم أرَ أعلم بالشعر من شعبة.

وروى الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: سمعت أعرابياً يقول: فلان لغوب، جاءته كتابي فاختصرها، قال: فقلت له [أتقول] : جاءته كتابي! فقال: أليس بصحيفة! فحمله على المعنى.

وقد جاء ذلك كثيراً في كلامهم. واللغوب: الأحمق، وله أسماء كثيرة ذكرناها مستوفاة في كتابنا الموسوم في أسماء المائق.

وتوفي أبو عمرو بن العلاء سنة أربع وخمسين ومائة في خلافة المنصور.

[أبو معاوية النحوي]

وأما أبو معاوية شيبان بن عبد الرحمن التميمي النحوي؛ فإنه كان مولى لبني تميم، وكان يعلم أولاد داود بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان قارئاً محدثاً نحويّاً، من مقدمي النحويين. سكن الكوفة زماناً، وانتقل عنها إلى بغداد.

حدث عن الحسن البصري، ويحيى بن أبي كثير، وحدث عنه عبد الرحمن بن مهدي وغيره.

وقال [أبو أحمد بن الحسن بن] عبد الله بن سعيد العسكري: إن شيبان

<<  <   >  >>