للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تُشْعِر بِهَذَا الْمَعْنى فسبحان من طَبَع نفوس الْعُقَلَاء على هَذِه الحِكَم والفِطَن، وَلَا تجوز هَذِه الْمُبَالغَة إلاّ بِالْإِضَافَة لأمرين أَحدهمَا طلب الأعرف فِي هَذَا الْمَعْنى النّادر لِأَنَّهُ يصير كالمَثَل وَالْآخر أَن الإِضافةَ إِلَى المعظَّم أخَصُّ بِمَعْنى التّعظيم من الِانْفِصَال فَلهَذَا لم يجز حَنانَيكَ ولبَّيْكَ وسَعديك وَمَا جرى مَجراها إلاّ بِالْإِضَافَة، وعلّة الإِضافة فِيهِ كعلّة لُزُوم الإِضافة فِي سُبْحَانَ الله ومَعاذ الله وَقَالَ طَرفة: أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا حَنانَيْكَ بعضُ الشّرِّ أَهْوَنُ من بَعْضِ كَأَنَّهُ قَالَ تَحَنُّناً بعد تَحَنُّنٍ وَوضع حنانيك مَوْضِع تحنُّن وَتقول سُبْحَانَ الله وحَنانَيه كَأَنَّك قلتَ ورَحْمَتَه على الْمُبَالغَة فِي طلب الرّحمة مِنْهُ بعد الرّحمة على مَا تَقْتَضِيه التّثنية وتقوله بالنّصب وَالرَّفْع وَلَا يجوز حَذارَيْكَ لِأَن التّحذير لَيْسَ مِمَّا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْمُبَالغَة وَقَالَ عبد بني الحَسْحاس: إِذا شُقَّ بُرْدٌ شُقَّ بالبُرْدِ مِثلُه دَوالَيْكَ حتَّى لَيْسَ للبُرْدِ لابِسُ وَقَالَ دَوالَيكَ لِأَن المداولة على معنى المُداومَة مَوْضِع مُبَالغَة وتعظيم كَأَنَّهُ قَالَ مُداوَلَتَكَ وَجعل دوالَيك فِي مَوْضِعه، فَأَما قَول النّحويين سِيبَوَيْهٍ وَغَيره أَنه فِي مَوْضِع الْحَال فَإِنَّهُم يعنون أَنه متعلِّق بشُقَّ بالبُرْدِ مُداوَلةً فَالْمَعْنى على هَذَا ووجهُ نَصبه على مَا فسَّرنا من الْفِعْل الْمَتْرُوك إِظْهَاره وَقَالَ الشّاعر: ضَرْباً هَذَاذَيْكَ وطَعْناً وخْضا أَي هَذّاً بعد هَذٍّ فَبَالغ فِي الْكَثْرَة وَهِي مَوْضِع مُبَالغَة وَكَذَلِكَ المداولة وَلَيْسَ كلُّ معنى تصلح فِيهِ المُبالغةُ كمعنى القُعود وَالْقِيَام وَنَحْو ذَلِك، فَأَما لبيْك فَزعم يُونُس فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ سِيبَوَيْهٍ أَنه اسْم وَاحِد بِمَنْزِلَة عَلَيْك وَهُوَ خلاف قَول الْخَلِيل الَّذِي فسرناه قبلُ من معنى التّثنية، وَوجه قَول يُونُس أَن المصادر تقبل فِيهَا التّثنية وَالْجمع وَقد وجد لَهُ نظيراً من الْوَاحِد وَهُوَ عَلَيْك فَحَمله عَلَيْهِ، وَقَول الْخَلِيل هُوَ الصَّوَاب من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا إِفْرَاد حَنانٍ تَارَة وتثنيته تَارَة فِي حَنانَيك، والثّاني الإِضافة إِلَى الظّاهر مَعَ وجود الْيَاء خلاف قَوْلهم على ذَلِك وَذَلِكَ على لبّى زيد وسعدى زيد، وَالْوَجْه الثّالثّ مَا تَقْتَضِيه الْمُبَالغَة من التّثنية على مَا بيَّنَّا قبل، وَلَا يجوز فِي حَوالَكَ وحَوالَيْكَ إلاّ الإِفراد والتّثنية للإشهار بِأَنَّهُمَا فِيمَا يلْزم فِيهِ تثنيته لَا على مَا توهّم يُونُس أنّه وَاحِد، وَكَذَلِكَ إِفْرَاد حَنانٍ من الإِضافة إِنَّمَا هُوَ للإشعار بِأَنَّهَا إِضَافَة أَصْلهَا الِانْفِصَال لَزِمت لعِلَة قد بينَّاها قَالَ الرّاجز: أَهَدَموا بيْتَكَ لَا أَبَا لَكا وَأَنا أَمْشي الدّأَلَى حَوالَكا فَهَذَا شَاهد فِي حَوالك أَنه يجوز مَعَ جَوَاز حَوالَيكَ وَقَالَ: دَعَوْتُ لِما نابني مِسْوَراً فَلَبَّى فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ فَهَذَا شَاهد على أَن التّثنية مَعَ الإِضافة إِلَى الظّاهر وَقد بيّنت بِهِ أَيْضا أَن التّثنية تكون للْمُبَالَغَة فَهُوَ شَاهد فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: (مَا مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وَأَنا أذكر من معنى لبيْك وَسَعْديك وَأبين من معنى التّثنية مثل مَا ذكرت فِي حنانيك وَأَخَوَاتهَا من المصادر الْمُثَنَّاة وأُري وجهَ الضّرورة فِي التّثنية وأُعلِم كَيفَ تكتسي هَذِه الأَلِفاظ معنى التّعظيم والإجلال وَالْمُبَالغَة وَكَيف يكون وُقُوعهَا على الله تَعَالَى فَمَن

<<  <  ج: ص:  >  >>