للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْبِلَاد وتكاءَدَني ذَلِك الْأَمر وَمَعْنَاهُ هابَني أهل الْبِلَاد، وتكاءدني مَعْنَاهُ شَقَّ عليَّ من قَوْلهم للمكان الشّاقِّ المَصْعَد كَؤُود وكأداءُ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما قَوْله تنقَّصْته وتنقَّصَني فَكَأَنَّهُ الأخْذُ من الشَّيْء الأوّلَ فالأَوَّلَ، وَأما تفهَّم وتبصَّرَ وتأمَّلَ فاستثباتٌ بِمَنْزِلَة تيقَّنَ وَقد يَشْرَكه استفعل نَحْو استثبت وَأما يتجرَّعُه ويتحَسّاه ويتفوَّقُه فَهُوَ يتنقَّصُه لِأَنَّهُ يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا بعد شيءٍ وَلَيْسَ من معالجتك الشيءَ بمرَّةٍ واحدةٍ ولكنَّه فِي مُهْلة، وأمّا تغفَّله فنحو تقعَّده لِأَنَّهُ يُرِيد أَن يَخْتِله عَن أمْرٍ يعوقُه ويتملَّقُه نَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ إِنَّمَا يديره عَن شيءٍ، وَقَالُوا تظلَّمَني: أَي ظلمَني مَالِي فبناه على تفعَّل كَمَا قَالُوا جُزْتُه وجاوزْته وَهُوَ يُرِيد شَيْئا وَاحِدًا وَقَالَ الشَّاعِر: تظَلَّمَني حَقِّي كَذَا ولَوى يَدي لَوى يدَهُ اللهُ الَّذِي هُوَ غالِبُهْ وقِلْتُه وأَقَلْته ولِقْته وألَقتُه: وَهُوَ إِذا لطَّخته بالطِّين، وأَلَقْت الدواةَ ولِقْتها، وَأما تَهَيَّبَه فَإِنَّهُ حصرٌ لَيْسَ فِيهِ شيءٌ مِمَّا ذكرنَا، كَمَا أَنَّك تَقول استعليته لَا تُرِيدُ إِلَّا علوته يُرِيد أَن تهَيَّبه فِي معنى هابَهُ وَلم يُبْن على تفعَّل لزِيَادَة معنى فِي فعَلَ، كَمَا أَن استعْلَيْته لم يَزِد مَعْنَاهُ على علوته، وَقَوله فَإِنَّهُ حَصَرٌ يُرِيد أَن الهَيْبَةَ حَصْرٌ للْإنْسَان عَن الْإِقْدَام وَأما تخوُّفه فَهُوَ أَن تتوقَّع أمرا يَقع بك فَلَا تأمنه فِي حالك الَّتِي تكلَّمت فِيهَا وَأما خَافَ فقد يكون وَهُوَ لَا يتوقَّع مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَال شَيْئا. قَالَ أَبُو عَليّ: فَرَق سِيبَوَيْهٍ بَين تخوَّف وخافَ وَلم يفْرُقْ بينَ تهيَّبَ وهابَ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما تخَوَّنتْه الْأَيَّام فَهُوَ تنقَّصَتْه وَلَيْسَ فِي تخوَّفتْه من هَذِه الْمعَانِي شيءٌ كَمَا لم يكن استنهيته فِي نهَيْته يُرِيد أَنه لَيْسَ فِي تخَوَّفته معنى خِفته الْمُطلق، كَمَا لم يكن فِي نهيته معنى استنْهيتُه لِأَن استنهيته إِنَّمَا هُوَ وَأما يتسَمَّع ويتحفَّظ فَهُوَ يتبصَّر وَهَذِه الْأَشْيَاء نَحْو يتجرَّعُ ويتفوَّقُ لِأَنَّهَا فِي مهلة يَعْنِي أَنه لَيْسَ تُصْنَع فِي مرَّة وَاحِدَة وَإِنَّمَا هُوَ شيءٌ يتَّصل، وَمعنى يتفوَّق أَنه يشربه شَيْئا بعد شيءٍ وَهُوَ مأخوذٌ من الفُواق، وَمثل ذَلِك تخيَّره كَأَنَّهُ تمهَّل فِي اخْتِيَاره، وَأما التَغَمُّجُ والتعَمُّق والتذكُّر فنحوٌ من هَذَا لِأَنَّهُ عمل بعد عمل فِي مُهلة، والتَغَمُّجُ: الشُرْب، وَأما تنَجَّز حوائجَه واستنجَزَ فَهُوَ بِمَنْزِلَة تيقَّن واستيقن فِي شركَة استفعلْت فالاستثباتُ والتَقَعُّد والتنَقُّص والتَنَجُّز وَهَذَا النَّحْو كلّه فِي مهلة وَعمل بعد عمل وَقد بيَّن وُجُوه تفَعَّل الَّذِي لَيْسَ فِي مُهْلة.

(بَاب مَوْضِع افتَعَلْت)

تَقول اشْتَوى القَوْمُ: أَي اتَّخذوا شِواءً، وَأما شَوَيْت فكقولك أنْضَجْت، وَكَذَلِكَ اختبَزَ وخَبَزَ واطَّبَخَ وطَبَخَ واذَّبَحَ وذَبَح فَأَما ذبَح فبمنزلة قَوْله قتلَه وَأما اذَّبَحَ فَتَقول اتَّخذ ذَبِيحَة، وَقد يُبنى على افتعَلَ مَا لَا يُرَاد بِهِ شيءٌ من ذَلِك كَمَا بنَوا على أفْعَلْت وَغَيره من الْأَبْنِيَة وَذَلِكَ افْتقر واشتدَّ فَقَالُوا هَذَا كَمَا قَالُوا استلَمْت فبنَوه على افْتَعَل كَمَا بنوا هَذَا على أفْعَلَ: أَي أَنهم يبنون على افتعل مَا لَا يُرَاد بِهِ إِلَّا معنى فِعْل لَا زِيَادَة فِيهِ وَلَا يسْتَعْمل إلاّ بِالزِّيَادَةِ كَقَوْلِهِم افْتقر فَهُوَ فَقير وَلَا يسْتَعْمل فَقُر، وَقَالُوا اشتدَّ الْأَمر فَهُوَ شَدِيد وَلَا يسْتَعْمل بِغَيْر الزِّيَادَة فِي هَذَا الْمَعْنى، وَقَالُوا اسْتَلم الْحجر وَلم يَقُولُوا سلَمَه وَلَا سلَّمَه، وَمثل هَذَا فِي أفْعَل قَوْلهم أفْلَحَ الرجل وَمَا أشبهه وَلَا يسْتَعْمل بِغَيْر الزِّيَادَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما كَسَب فَإِنَّهُ يَقُول أصابََ وأمّا اكتسبَ فَهُوَ التصرُّف والطَّلب وَالِاجْتِهَاد. غَيره: لَا فرْق بَينهمَا قَالَ الله عز وَجل: (لَها مَا كَسَبَتْ وعلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) وَالْمعْنَى واحدٌ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما قَوْلك حَبَسْته فبمنزلة ضَبَطْته وَاحْتَبَسَتْهُ بِمَنْزِلَة اتَّخذته حَبيسا كَأَنَّهُ مثل شَوى واشْتَوى، وَقَالُوا ادَّخَلوا واتَّلَجوا وتدَخَّلوا وتولَّجوا وَالْمعْنَى دخلُوا قَالَ الشَّاعِر:

<<  <  ج: ص:  >  >>