للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غيْرُ فَأصل الْكَلِمَة على هَذَا القَوْل أفْعِلاءُ وحذِقت الهمزةُ الَّتِي هِيَ لامٌ حَذْفاً من قَوْلهم سَوائِيَة حَيْثُ قَالُوا سَوَاية وَلزِمَ حذفُها فِي أفِعْلاء لأمرين أَحدهمَا تقارُبُ الهمزتينِ فَإِذا كَانُوا قد حذفُوا الهمزةَ مُفْردَة فجدير إِذا تكرَّرت أنيلزم الحذفُ والآخَر أَن الكلمةَ جمعٌ وَقد يُسْتثقَل فِي الجموع مَا لَا يُستَثْقَل فِي الْآحَاد بِدلَالَة إلزامهم خَطايَا القلْبَ وإبدالِهم من الأُولَى فِي ذَوائِب الواوَ وَهَذَا قَول أبي الْحسن فقي لَهُ: كَيفَ تُحقِّرها قَالَ: أَقُول فِي تحقيرها أَشْياء فَقيل لَهُ هَلَاّ رَددته إِلَى الْوَاحِد فَقلت شُيَيْآت لِأَن أفعلأَ لَا تصغَّر فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن أفْعِلاء فِي هَذَا الْموضع جَازَ تصغيرُها وَإِن لم يجز ذَلِك فِيهَا فِي غير هَذَا الموضِع لِأَنَّهَا قد صَارَت بَدَلاً من أفْعال بِدلَالَة استِجازتهم إضافةَ العَدَد إِلَيْهَا كَمَا أُضِيف إِلَى أَفعَال ويدلُّلك على كونِها بدَلاً من أَفعَال تذكيرُهم العَدَد المضافَ إِلَيْهَا فِي قَوْلهم ثلاثةُ أشياءَ وكما صَارَت بِمَنْزِلَة أفْعالٍ فِي هَذَا الْموضع بالدَّلالة الَّتِي ذُكِرت كَذَلِك يجوز تصغيرُها من حَيْثُ كَانَ تَصْغِير أَفعَال وَلم يمتنِع تصغيرُها على اللَّفْظ من حَيْثُ امتَنَع تصغيرُ هَذَا الوزْن فِي غير هَذَا الْموضع لارْتِفَاع المعنَى المانِع من ذَلِك عَن أشياءَ وَهُوَ أَنَّهَا صَارَت بِمَنْزِلَة أفْعالٍ وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجْتَمع فِي الْكَلِمَة مَا يتدافَعُ من إِرَادَة التقليلِ والتكثيرِ فِي شَيْء وَاحِد قَالَ: وَاحِد القَصْباء قَصَبة وَوَاحِد الطَّرْفاء طَرَفة وَوَاحِد الحَلْفاء حَلِفة مثلَ وجِلة مخالِفةً لأختيها وَكَيف كَانَ الأمرُ فَالْخِلَاف لم يَقع فِي أَن كل وَاحِد من هَذِه الحروفِ جمعٌ وَإِنَّمَا موضعُ الخِلاف هَل لهَذَا الْجمع واحدٌ أم لَا واحِدَ لَهُ وَأما فَعْلاء الَّتِي تكون صفة فنحوُ سَوْداءَ وصَفْراءَ وزَرْقَاءَ وَمَا كَانَ من ذَلِك مذكَّرُه أفعَلُ نَحْو أبْيضَ وأسودَ وأزْرقَ وكلُّ فَعْلاءَ من هَذَا الضَّرْب فمُذَكَّره أفْعَلُ فِي الْأَمر العامِّ وَقد جَاءَ فَعْلاءُ صفة وَلم يستعْمَل فِي مذكَّره أفْعَلُ إمَّا لِامْتِنَاع مَعْنَاهَا فِي الخِلْقة وَإِمَّا لرفْضِهِم اسْتِعْمَاله فالممتنع نَحْو امرأةٌ عَفْلاءُ وَلَا يكون للمذكَّر وَقَالُوا امْرَأَة حسْناءُ ودِيمةٌ هَطْلاءُ وَلم نعلمهُمْ قَالُوا مطر أَهْطَلُ وَقَالُوا حُلَّة شَوْكاءُ قَالَ الْأَصْمَعِي: لَا أدْرِي مَا يُعْنَى بِهِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُراد بِهِ خُشونَةُ الجِدَّة ويدلُّ على صِحَة مَا ذكره أَبُو عبيد أَنهم سَمَّوْا الخَلَق جَرْداً قَالَ الشَّاعِر:

(هَبِلَتْكَ أمُّكَ أيَّ جَرْد تَرْقَع ... )

وسَمَّوه الخَلَق وَقَالُوا للأمْلَس أخْلَق للصَّخْرة المَلْساء خَلْقَاء فَإِذا كَانَ الإخْلاق مَلَاسة فالجِدَّة خِلافُها وَقَالَ أَبُو زيد: هِيَ الدَّاهِية الدَّهياءُ وداهِيَةٌ وَهِي باقِعةٌ من البَوَاقِع وهما سوءاٌ وَقَالُوا امرأةٌ عجْزاءُ وَقَالُوا العَرَب العَرْباءُ والعَرَب العارِبةُ وَلم يَجِيء لشَيْء من ذَلِك أفعَلُ وَكَأَنَّهُم شَبَّهوا الدَّهْياء بالصَّحْراء فقلَبُوا لامها كَمَا قلَبُوها فِي العَلْياء حيثُ لم يُستْعملَ لَهُ أفْعَلُ وَقَالُوا أجْدَلث وأخْيَلُ وأفْعَى فَلم يصْرِفْ ذَلِك كلَّه قومٌ لَا فِي المعرِفة وَلَا فِي النَّكِرة كَمَا لم يصرفُوا أحْمرَ وَلم يَجِيء لشيءٍ من ذَلِك فَعْلاءُ قَالَ الشَّاعِر:

(فَمَا طائري فِيهَا عليكِ بأخْيَلا ... )

وَرُبمَا استعملوا بعضَ هَذِه الصِّفات استعمالَ الْأَسْمَاء نَحْو أبْطح وأبْرقٍ وأجْرَعٍ وكسَّروه تكسيرَ الْأَسْمَاء فَقَالُوا أجارعُ وأبَاطِحُ وَكَذَلِكَ كَانَ قِيَاس فَعْلاءَ وَقَالُوا بَطْحاءُ وبِطَاح وبَرْقاء وبِرَاق فَجمعُوا الْمُؤَنَّث على فِعَال كَمَا قَالُوا عَبْلة وعِبَال فشَبَّهُوا الألفَ بِالْهَاءِ كَمَا شَبَّهوا الكُبْرَى والكُبَر والعُلْيا والعُلَى بظُلْمة وظُلَم وغُرْفة وغُرَف وَلم يجعلوها كَصحارَى وَأما أجمَعُ وَجمْعاءُ فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب وَمن جعله مِنْهُ فقد أخْطأ يدلك على ذَلِك جمعهم للمذكر مِنْهُ بِالْوَاو وَالنُّون وَفِي التَّنْزِيل: {فَسَجَدَ المَلائِكةُ كُلُّهم أجمَعُونَ} [الْحجر: ٣٠] وَلم يُكَسِّروا المؤنَّث تكسيرَ مؤَنَّث الصِّفة كَمَا لم يكسِّرُوا المذكَّر ذَلِك التسكيرَ وَلَو جمعُوا الْمُؤَنَّث بِالْألف والتاءِ كَمَا جَمعُوا المذكَّر بِالْوَاو وَالنُّون لَكَانَ قِيَاسا وَلَكنهُمْ عدَلُوا عَن ذَلِك إِلَى الجَمْع المعدُول عَن نَحْو صَحارَى وصَلافَى

<<  <  ج: ص:  >  >>