للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أُخْرَى وَهُوَ أنّ هَيهاتَ ظَرْف سُمِّي بِهِ الفِعْل فَهُوَ مُنْتَصب بالظَّرْف كَمَا أَن عِندك اسمٌ سُمِّي بِهِ احْذَرْ ومَكانَك اسمٌ سمِّي بِهِ اثْبُتْ وَلَا تَبْرَحْ بتأخُّر وَإِن كَانَا مُنْتَصِبَيْنِ على الظَّرْف فَكَذَلِك هَيْهاتَ فَهَذِهِ جِهةُ الخِلافِ وَلَو تَأوَّل فِيهِ مُتَأوِّلٌ أَنه غَيْرُ ظَرْف كَمَا أنَّ شَتَّان غيْرُ ظرف وَإِنَّمَا هُوَ اسمٌ لبَعُدَ لم يمتَنعْ وَقد قَالَ أبُو العَبَّاس فِيهَا مَا أعلمتك وَحَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الظُّرُوف الَّتِي لم تَتَمكَّن وأمّا جهةُ الوِفاق فَهِيَ أَن هَيْهاتَ اسمٌ سُمِّي بِهِ الفِعْل فِي الخَبَر وغَيرِ الأَمْر كَمَا أَن شَتَّانَ اسمٌ سمِّي بِهِ الفِعْل فِي الخَبَر وَغير الأمْرِ فَإِذا ثبَت أَنه اسمٌ سمِّي بِهِ الفِعْل كشَتَّانَ لم يَجُزْ أَن يَخْلُو من فاعِلٍ ظاهِرٍ أَو مُضْمَر كَمَا أَن الفِعْل لَا يَخْلُو من ذَلِك وكما أَن سائرَ مَا سُمِّي بِهِ الأفُعالُ فِي غيْرِ الخَبَرِ على هَذَا أَلا تَرَى أنَّا نقُول شَتَّان زيدٌ وعَمْرو فيرتَفِع الاسمُ كَمَا يَرتفِع ببَعُدَ ويرتَفِع الضميرُ فِي رُوَيْدَ وعَلَيْك وَنَحْوه كَمَا يَرتفِع فِي أرْوِدْ والزَمْ فيُحْمَل عَلَيْهِ مَا يُؤَكِّده مرفُوعاً كَمَا يُحمَلُ على الضميرِ فِي الفِعْل الصرِيحِ وَلَوْلَا أَن شَتَّان وهَيْهاتَ كبَعُدَ فِي قَوْلك شَتَّانَ زيدٌ وهَيْهاتَ العَقِيقُ لما تَمَّ بِهِ الكلامُ وبالاسم فلَمَّا تمَّ الكلامُ بِهِ علمنَا أَنه بمنْزِلة الفِعْل أَو بمنزِلة المُبتدأ فَلَا يجوز أَن يكونَ بمنْزلة المبتدَإ لِأَن المبتَدَأ هُوَ الخَبَرُ فِي المعنَى أَو يكونُ لَهُ فِيهِ ذِكْر وَلَيْسَ هَيْهاتَ بالعَقِيق وَلَا شَتَّانَ بزيْدٍ فَإِن قلتَ فَمَا تُنْكر أَن تَكُون هَيهاتَ زيدٌ بِمَنْزِلَة البُعْد زيدٌ فتجعَلَه البُعْدَ إِذا أردتَ المُبالَغةَ كَمَا تَقول زيدٌ سَيْر فالجوابُ أَنه لَو كَانَ مِثْلَ ذَلِك لوجَبَ أَن يكون مُعْرَباً غيْرَ مبنِيٍّ إِذا السَّيْرُ وَمَا أشبهَهُ من المَصَادر أسماءٌ والأسماء لَا تُسَمَّى بأسماءٍ مَبْنِيَّة كَمَا تُسمَّى بهَا الأفعالُ فلمَّا وَجدنا هيهاتَ مبنِيًّا علمنَا أَنه اسمٌ سمِّي بِهِ الفِعلُ لكَونه مبْنيًّا وَلَو كَانَ اسْما للمصْدَر لمَا وجَب بناؤُه لأنَّ المعنَى الواحدَ قد يسمَّى بعدَّة أَسمَاء ويكونُ ذَلِك كلُّه مُعْرَباً فثَبت ببِناءِ شَتَّانَ وهَيهاتَ أَنَّهُمَا اسمانِ سمِّي بهما الأفعالُ فَإِن الاسمَ بعْدهَا مرتفِعٌ بهما وَأَيْضًا فَإنَّك تَقول هيهاتَ المَنازِلُ وهَيْهاتَ الدِّيارُ وشَتَّانَ زيدٌ وعَمْرو وبَكْر لَو كَانَ هَيْهاتَ مبتَدأ لوجبَ أَن يُجْمَع إِذْ لَا يكون المبتَدأُ واحِداً والخبَرُ جمعا وأظُنُّ أَن الَّذِي حَمَل أَبَا إِسْحَاق على أنْ قَالَ إِن هَيْهاتَ مَعْنَاهُ البُعْد وموضعُه رَفْع كَمَا أَنَّك لَو قلتَ البُعد لزيد كانَ البُعْدُ رَفْعاً أَنه لَمَّا لم يَرَ فِي قَوْله: {هَيْهاتَ هَيهاتَ لِمَا تُوعَدُون} [الْمُؤْمِنُونَ: ٣٦] فَاعِلا ظَاهرا حمله على أَن موضِعَه كالبُعْد وَالْقَوْل فِي هَذَا أنّ فِي هَيْهاتَ ضَمِيراً مرتَفِعاً وَذَلِكَ الضميرُ عائِد إِلَى قَوْله إنَّكم مُخْرَجُونَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الإخْراج كأنَّهم لَمَّا قَالُوا مستَبْعدِين للوَعْد بالبَعْث ومُنْكِرين لَهُ: {أَيَعِدُكم أنكُمْ إِذا مِتُّمْ وكُنْتُم تُراباً وعِظَاماً أنْكُمْ مُخْرَجُون} [الْمُؤْمِنُونَ: ٣٥] فَكَانَ قَوْله أَنكُمْ مُخْرَجُون بِمَعْنى الْإِخْرَاج صَار فِي هَيْهات ضميرٌ لَهُ وَالْمعْنَى هَيْهاتَ إخْراجُكم للوَعْد أَي بعُدَ إخراجُكم للوَعْد إِذْ كَانَ الوَعْدُ إخراجَكُم بعد مَوْتِكُم ونُشُوركم بعد اضْمِحْلالِكم فاستَبْعدَ أعداءُ اللهِ إخْراجَهم ونشرَهم لمَّا كَانَت العِدَةُ بِهِ بعْدَ الْمَوْت إغْفالاً مِنْهُ للتَدبُّر وإهمالاً للتَّفَكُّر فِي قَول جلَّ وعزَّ: {قُلْ يُحْييها الَّذِي أَنْشَأَها أوَّلَ مَرَّة وهُو بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ} [يس: ٧٩] وَفِي قَوْله: {وضَرَب لَنَا مَثَلاً ونَسِيَ خَلْقَه} [يس: ٧٨] ونحوِ هَذَا من الْآي قَالَ: وَقَوله فَأَما من نوَّن هَيْهاتِ فجعَلَها نكِرة فَيكون الْمَعْنى بُعْدٌ لِمَا قُلْتُمْ فَفِيهِ اختِلاف قيل إِنَّه إِذا نُوِّن كَانَ نَكِرةً ووجْهُ هَذَا القولِ أَن هَذِه التنوينةَ فِي الأصواتِ إِنَّمَا تَثْبُتُ عَلَماً للتنْكِير وتُحذَف علَماً للتَّعرِيف كَقَوْلِك غاقٍ وغاقِ وإيهٍ وإيهِ وَنَحْو ذَلِك فَجَائِز أَن يكونَ المُرادُ بهَيْهاتٍ إِذا نُوِّن التنْكِير وَقيل إِنَّه إِذا نُوِّن أَيْضا كَانَ مَعْرِفة كَمَا كَانَ قَبْل التنْوين كَذَلِك وَذَلِكَ أنَّ التَّنْوينَ فِي مُسْلِمات ونحوِه نَظِير النُّون فِي مُسلِمِينَ فَهَذَا إِذا ثَبَتَ لم يَدُلَّ على التنكِيرِ كَمَا يَدلُّ عَلَيْهِ فِي غاقٍ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة مَا لَا يَدُلُّ على تَنْكِير وَلَا تَعْرِيف وَهُوَ النُّون فِي مُسلمِينَ فَهُوَ على تعرِيفِه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُول التنوينِ إِذْ لَيْسَ التَّنوِينُ فِيهِ كَالَّذي فِي غاقٍ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: فِي هَذَا الْوَجْه هُوَ قولٌ قَوِيٌّ فأمَّا لات حِينَ مَنَاص فزعَم سِيبَوَيْهٍ أنَّ التاءَ فِيهَا منقطِعة من حينَ وَكَانَ أَبُو عبيد يقُول التاءُ متَّصِلة بحاءِ حينَ وَيَقُول الوَقْفُ ولَا الابتداءُ تَحِينَ مَنَاصٍ ويحتَجُّ بِأَن المعْرُوفَ فِي كَلَام الْعَرَب لَا وَلَا يُعْرَف فِيهِ لاتَ وزعَم أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>