للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المستَقْبَل آكدٌ وأوْجَبُ كَقَوْلِك هِنْدٌ تَذْهَبُ ومَوْعِظَة تَجِيئُك وإنَّما صَار فِي المستَقْبَل ألزَمَ لِأَن تَرْك التأنِيثِ لَا يُوجِب تخفِيفاً فِي اللَّفْظ لِأَنَّهُ عُدُول من تاءٍ إِلَى يَاء والتاءُ أَيْضا أخَفُّ وَفِي الْمَاضِي إِذا تُرِكتْ عَلامةُ التَّأْنِيث فَقيل مَوْعِظةٌ جاءَكَ فَإِنَّمَا يَسْقُط حرف ويَخِفُّ لفظ الفِعْل فَإِذا كَانَ الاِسمُ محمُولاً على الفَعْل لَزِم الفَرْقُ بَين المُذكَّر والمؤنَّث لما ذكّرْته لَك وَإِذا حُمِل على غَيْرِ الفِعْل صَار بمنْزِلة قَوْلهم رجُلٌ دارعٌ ورامِحٌ وَلَا يُقَال دَرَع وَلَا رَمَحَ فحائِضٌ عنْدهم بمنْزِلة ذاتِ حَيْض وقومٌ يقُولون إِن سُقُوطَ عَلامَة التأنيثِ من مثل هَذَا لِأَنَّهَا أشياءُ يَخْتَصُّ بهَا المؤنَّث وَإِنَّمَا يُحتاجُ إِلَى الهاءِ للفَرْق بَين المؤنَّث والمذَكَّر فَلمَّا كانتْ هَذِه الأشياءُ مخصُوصا بهَا المؤنَّث استُغْنِيَ عَن عَلامَة التأنيثِ وقولُ الْخَلِيل وسيبويه مَا قد ذكرْتُ والدليلُ على صِحَّته أنَّا رأيْنا أشْياء يَشتَرِك فِيهَا المذكَّر والمؤنَّث يُسْقِطُون الهاءَ مِنْهَا كَقَوْلِهِم ناقةٌ ضَامرٌ وجمَلٌ ضامرٌ وناقةٌ بازِلٌ وجَمَلٌ بازِلٌ وَذَلِكَ كثيرٌ فِي كَلَامهم وَقد رأيْنا أشّياءَ يَشْتَرِكُ فِيهَا المذَكَّر والمؤنثُ بِالْهَاءِ كَقَوْلِك رجُل فَرُوقةٌ وامرأةٌ فَرُوقة وملُولة للذكَر والأنثَى وَمِمَّا يَدُلُّ على قُوَّة قَوْلهم أَيْضا أَنا نقُول امرأةٌ تَحِيض غَدا وتُرْضِع غَداً وَقد يجوزُ أَن يأتِيَ فِي مثلِ هَذَا الهاءُ على معنى الفَعْل كَقوله عزَّ وجلَّ {تَذْهَل كلُّ مُرْضِعةٍ} [الْحَج: ٢] وَهَذِه الأشياءُ إِذا نُزِعتْ عَنْهَا الهاءُ على التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنا فَهِيَ مُذَكَّرة لَو سمَّينا رجلا بحائِضٍ أَو مَرْضِع صَرَفناه لِأَنَّهُ مذَكَّر والدليلُ على تذكِيره أنَّ الْهَاء قد تدخُله ووَصْفُنا المؤنَّث بالمذكّر كوصْفنا المذكَّر بالمؤنث كَقَوْلِنَا رجُل نُكحةٌ وفَحْل خُجأةٌ وَسَيَأْتِي ذكرُ هَذَا إِن شَاءَ اللهُ وفَعُول ومفْعال يَجْري هَذَا المَجْرَى وسأُحَلِّل هَذِه كُلَّه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد يَجِيءُ فاعلٌ بِمَعْنى مفعُولٍ ويَقع صِفةً على المؤنَّث بِغَيْر هاءٍ وَذَلِكَ قليلٌ وَأَنا عائِدٌ إِلَى مَا وضَعْتُ عَلَيْهِ البابَ من ذِكْر الصَّفات الَّتِي على مِثال فاعِلٍ يُقَال جارِيَةٌ كاعِبٌ - إِذا كَعَب ثَدْيُها - أَي بَرَزَ حتَّى مَلَاءَ الكَفَّ وَقيل _ هِيَ الجارِيَةُ حِينَ يَبْدُو ثَدْيُها للنُّهود وَمِنْه كُعُوب الرُّمْح - وَهِي أطْرافُ الأنابِيبِ النَّواشزُ والكَعْبانِ - العَظْمان الناشِزَانِ فوْقَ ظهْر القَدَم عَبَّر الْفَارِسِي عَن الكَعْب بالحَجْم فَقَالَ الكَعْب - الحَجْم وَلم يخُصَّ وَلَا جَاءَ بِلَفْظ الإحاطةٍ - أَي لم يقُلْ كلُّ حَجْم كَعْبٌ وَقد كَعَبتِ الجاريَةُ تَكْعُب كُعُوباً وكَعَّبت وَامْرَأَة ناهِدٌ فِي هَذَا الْمَعْنى وَقد نَهَدت تَنْهُدُ نُهُوداً وَجعل أَبُو عبيد النُّهودَ فَوق الكُعُوب فَقَالَ الكاعِبُ - الَّتِي كَعَب ثَدْيُها فَإِذا نَهَد فَهِيَ ناهِدٌ وكلُّ فِعْل من هذَيْن أُسْنِد إِلَى المَرْأة فَهُوَ أَيْضا مُسْنَد إِلَى الثَّدْي يُقَال نَهَد ثَدْيُها يَنْهُدُ وكَعَب يَكْعُبُ وكَعَّب فأمَّا الثُّدِيُّ الفَوَالِك - وَهِي الَّتِي دُونَ النَّواهِد فَلَا أعلَمُه وُصِفَت بِهِ النِّساءُ والهاجِنُ - الصَّغِيرة من النِّساء وَفِي المَثَل: " جَلَّتِ الهاجِنُ عَن الوَلَد " - أَي صَغُرتْ هَذَا تَفْسِير أبي عليّ لِأَن الجَلَل من الأضداد وأمَّا أَبُو عبيد فَقَالَ وَضَعُوا جَلَّت مكانَ صَعَدت للتُّفاؤُل والهاجِنُ من النخْلِ - الَّتِي لم تَحْمِلْ بَعْدُ وجارِيَة عاتِقٌ - صغِيرة بِكْر وَقيل - هِيَ بَيْن الَّتِي أدْرَكَت وبَيْن الَّتِي قد عَنَّست وبالِغٌ - مُحْتَلِمَة وَهَذِه صِفة مشتَركة بَين المذكَّر والمؤنَّث وَهِي على المذَكَّر أغلَبُ مِنْهَا على المؤنَّث لأَنهم إِذا أرادُوا أَن يَصِفُوا المرأةَ بِهَذَا قَالُوا امرأةٌ مُعْصِر وَقد أعْصَرت - إِذا أدْرَكَت وجارِيَة ناشِئٌ - فُوَيْق المحتَلِمة والمع نَشَأُ وَامْرَأَة حائِضٌ - إِذا حَرُمتْ عَلَيْهَا الصَّلاةُءُ وَقد حاضَتْ حَيْضاً ومَحِيضا جاؤُوا بالمصدَر على مَفْعِل كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِلَى اللهِ مرْجِعكُم} [الْمَائِدَة: ٤٨] أَي رُجُوعكم وَقَالَ الرَّاعِي:

(بُنِيَتْ مَرَافِقُهُنَّ فوقَ مَزِلَّةٍ ... لَا يَسْتَطِيع بهَا القُرَادُ مَقِيلا)

أَي قَيْلولةٌ هَذَا لفظُ سِيبَوَيْهٍ قَالَ الْفَارِسِي: وَفِي بعض النّسخ بَعْدَ هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى إِلَى الله مَرْجِعُكم - أَي رُجوعُكم وَلَيْسَ الإتْيانُ بالمصدَر عل مَفْعِلٍ بكثيرٍ إِنَّمَا قِياسُ البابِ أَن يُؤتَى بالمصدَر على مَفْعَل وبالاسم

<<  <  ج: ص:  >  >>