للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ينْصَرف فِي الْمعرفَة وَقد كَانَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد يَقُول إِن الأجود فِيهِ أَن لَا يصرف وكأنَّ الْخَلِيل ذَهَبَ بِهِ مذهبَ الصّفة وَلَا عَلامَة فِيهِ وَقَالَ فِي كُراعٍ اسْم رجل قَالَ من الْعَرَب من يصرفهُ يُشبههُ بِذِرَاع والأجودُ ترك الصّرْف وصرفُه أَخْبَثُ الْوَجْهَيْنِ وكأنَّ الَّذِي يصرفهُ إِنَّمَا يصرفهُ لِأَنَّهُ كثر بِهِ تسميةُ الرِّجَال فَأشبه الْمُذكر فِي الأَصْل لِأَن الأَصْل أَن يُسمى الْمَذْكُور بالمذكر وَإِن سميت رجلا بثَمانٍ لم تصرفه لِأَن ثمانٍ اسْم مؤنث فَهُوَ كَثَلَاثٍ وعَنَاقٍ إِذا سميت بهما قَالَ الْفراء هُوَ مَصْرُوف لِأَنَّهُ جَمْعٌ وتصغيره عِنْده ثُلَيْثٌ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَو سميت رجلا حُبَارَى لم تصرفه لِأَنَّهُ مؤنث وَفِيه عَلَم التَّأْنِيث الألفُ المقصورةُ فَإِن حَقَّرته حَذَفْتَ الألفَ فَقلت حُبَيِّر لم تصرفه أَيْضا لِأَن حُبَارَى فِي نَفسهَا مؤنث فَصَارَ بِمَنْزِلَة عُنَيِّق وَلَا علامةَ فِيهَا للتأنيث قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَزعم الخليلُ أَن فَعُولاً ومِفْعالاً إِنَّمَا امتنعا من الْهَاء لِأَنَّهُمَا وقعتا فِي الْكَلَام على التَّذْكِير وَلكنه يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث كَمَا يُوصف بَعْدلٍ ورِضاً وَإِنَّمَا أَرَادَ بفَعُول ومِفْعَال قولَنا امرأةٌ صَبُور وَشَكُور ومِذْكَار ومِئْنَاث إِذا سميت رجلا بِشَيْء من ذَلِك صرفته لِأَنَّهَا صِفَات مذكرة لمؤنث كطامِثٍ وحائض وَقد مضى الْكَلَام فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن سميت رجلا بقاعد تُرِيدُ الْقَاعِد الَّتِي هِيَ صفة الْمَرْأَة الْكَبِيرَة القاعِد عَن الزَّوْج وَكَذَلِكَ إِن سميت بعاقِرٍ صفة الْمَرْأَة كل ذَلِك منصرف على مَا شرحته لَك لِأَنَّهُ مُذَكّر وَإِن وَقع لمؤنث كَمَا يَقع الْمُؤَنَّث للمذكر كَقَوْلِنَا عَيْنُ الْقَوْم وَهُوَ رَبِيئَتُهمْ أَي الَّذِي يَحْفَظُهُم فوَقَعَتْ عَلَيْهِ عينٌ وَهُوَ رجل ثمَّ شبه سِيبَوَيْهٍ حَائِضًا صفةٌ لشَيْء وَإِن لم يستعملوه بقَوْلهمْ أَبْرَقُ وأَبْطَحُ وأَجْزَعُ وأَجْدَلُ فِيمَن تَرَكَ الصرفَ لِأَنَّهَا صِفَات وَإِن لم يستعملوا الموصوفاتِ قَالَ وَكَذَلِكَ جَنُوبٌ وشَمَالٌ وقَبُولٌ ودَبُورٌ وحَرُورٌ وسَمُومٌ إِذا سمتَ رجلا بِشَيْء مِنْهَا صَرَفْتَهُ لِأَنَّهَا صِفَات فِي أَكثر كَلَام الْعَرَب سمعناهم يَقُولُونَ هَذِه ريحٌ حَرُورٌ وَهَذِه ريح شَمَالٌ وَهَذِه الريحُ الجنوبُ وَهَذِه ريحٌ جَنُوبٌ سمعنَا ذَلِك من فُصحاء الْعَرَب لَا يعْرفُونَ غَيره قَالَ الْأَعْشَى:

(لَهَا زَجَلٌ كَحَفِيفِ الحَصَادِ ... صَادفَ بالليلِ ريحًا دَبُوراً)

وَمعنى قَول سِيبَوَيْهٍ سمعنَا ذَلِك من فصحاء الْعَرَب أَي من جمَاعَة مِنْهُم فُصحاء لَا يعْرفُونَ غَيره قَالَ ويُجْعَلُ اسْما وَذَلِكَ قَلِيل قَالَ الشَّاعِر:

(حَالَتْ وحِيلَ بِهَا وغَيَّرَ آيهَا ... صَرْفُ البِلَى تَجْرِي بِهِ الرِّيحانِ)

(رِيحُ الجَنُوبِ مَع الشَّمالِ وتارةٌ ... رِهَمُ الرَّبِيعِ وصَائِبُ التَّهْتَانِ)

فَمن أضَاف إِلَيْهَا جعلهَا أسماءٌ وَلم يصرف شَيْئا اسْمَ رَجُلٍ وَصَارَت بِمَنْزِلَة الصَّعُود والهَبُوطِ والحَدُورِ والعَرُوضِ وَهَذِه أسماءُ أماكنَ وَقعت مُؤَنّثَة وَلَيْسَت بصفاتٍ فَإِذا سميتَ بِشَيْء مِنْهَا مذكراً لم تصرفه وَلَو سميت رجلاٍ برَبابٍ أَو ثَوابٍ أَو دَلَالٍ انْصَرف وَإِن كَثُرَ رَبَابٌ فِي أَكثر الناء وَلَيْسَت كَسُعَادَ وَأَخَوَاتهَا لِأَن رباباً اسمٌ مَعْرُوف مُذَكّر للسحاب سميت المرأةُ بِهِ وسُعادُ مؤنث فِي الأَصْل وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي سُعَادَ وَأَخَوَاتهَا: إِنَّهَا اشْتُقَّت فجعلتْ مُخْتَصًّا بهَا الْمُؤَنَّث فِي التَّسْمِيَة فَصَارَت عِنْدهم كعَناقٍ وَكَذَلِكَ تسميتُك رجلا بِمثل عُمَانَ لِأَنَّهَا لَيست بِشَيْء مُذَكّر مَعْرُوف وَلكنهَا مُشْتَقَّة لم تقع إِلَّا علما للمؤنث قَالَ الْفَارِسِي: قَالَ أَبُو عُمَر الجَرْمِيُّ معنى قَوْله مُشْتَقَّة أَي مُسْتأنفة لهَذِهِ الْأَسْمَاء لم تكن من قبلُ أَسمَاء لِأَشْيَاء أخر فنقلت إِلَيْهَا وَكَأَنَّهَا اشْتقت من السَّعادة أَو من الرَّبَبِ أَو الجَأْلِ وزِيدَ عَلَيْهَا مَا زِيدَ من ألف أَبُو يَاء لتُوضَع أَسمَاء لهَذِهِ الْأَشْيَاء كَمَا أَن عَناقاً أَصله من العَنَقِ وزيدت فِيهِ الألفُ فُوضِعَ لهَذَا الْجِنْس وَمَا كَانَ من الجموع المكسرة الَّتِي تأنيثها بالتكسير إِذا سمينا بِهِ مذكراً انْصَرف نَحْو خُروقٍ وكِلابٍ وجَمَالٍ وَالْعرب قد صرفتْ أنْماراً وكلاباً اسْمَيْنِ لِرجلَيْنِ لِأَن هَذِه

<<  <  ج: ص:  >  >>