للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبدَادِ فِي مَوضِع الْحَال وَهُوَ فِي معنى مصدر مؤنث معرفَة وَقد فسره سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ مَعْنَاهُ تَعْدُو بَدَداً غير أَن بَدَادِ لَيست بمعدولة عَن بَدَدٍ لِأَن بَدَداً نكرَة وَإِنَّمَا هِيَ معدولة عَن البَدَّةِ أَو المُبَادَّةِ أَو غير ذَلِك من أَلْفَاظ المصادر الْمعرفَة المؤنثات قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَالْعرب تَقول لَا مَسَاسِ مَعْنَاهُ لَا تَمَسُّنِي وَلَا أَمَسُّكَ ودَعْنِي كَفَافِ وتقديرها لَا المُمَاسَّةَ ودَعْنِي المُكَافَّة وَإِن كَانَ ذَلِك غيرَ مُسْتَعْمل أَلا تَراهم قَالُوا مَلَامِحُ ومَشَابِهُ ولَيَالٍ وهُنَّ جَمْع لَيْسَ لَهَا واحدٌ من لَفظهَا لأَنهم لَا يَقُولُونَ مُلْمَحَةٌ وَلَا لَيْلاٍةٌ وَلَا مَشْبَهَةٌ وَقَالَ الشَّاعِر:

(جَمَادِ لَهَا جَمَادِ وَلَا تَقُولِي ... طُوالَ الدَّهْر مَا ذُكِرَتْ حَمَادِ)

وَإِنَّمَا يُرِيد جُمُوداً وَحَمْداً غير أَن اللَّفْظ الَّذِي عُدِلَ عَنهُ هَذَا اللَّفْظ كَأَنَّهُ الجَمْدَةُ والحَمْدَةُ أَو مَا جَرَى مَجْرَى هَذَا من الْمُؤَنَّث الْمعرفَة وَقد جعل سِيبَوَيْهٍ فَجَارِ فِي قَول النَّابِغَة من المصادر المعدولة وجَرَى على ذَلِك النحويون بعده والأَشْبَهُ عِنْدِي أَن تكونَ صفة غالبةٌ وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه قَالَ فِي شعره:

(فَحَمَلْتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجَارِ ... )

فَجَعلهَا نقيضَ بَرَّةَ وبَرَّةُ صفةٌ تَقول رجل بَرٌ وَامْرَأَة بَرَّةٌ وجعلُهما صفة للمصدر كَأَنَّهُ قَالَ فحملتُ الخَصْلَة البَرَّةَ وحملتَ الخصلةَ الفاجرةَ كَمَا تَقول الخَصْلة القبيحة والحَسَنَة وهما صفتانِ وَجعل بَرَّةٌ معرفةٌ عُرِّفَ بهَا مَا كَانَ جميلاً مستحسناً وَأما مَا جَاءَ معدولاً عَن حدّه من بَنَات الْأَرْبَعَة فَقَوله:

(قالتْ لَهُ رِيحُ الصَّبا قَرْقَارِ ... )

وَبعده من غير إنشاد سِيبَوَيْهٍ:

(واخْتَلَطَ المَعْرُوفُ بالإِنْكَارِ ... )

فَإِنَّمَا يُرِيد بذلك قَالَت لَهُ قَرْقِرْ بالرعد للسحابِ وَكَذَلِكَ عَرْعَارِ يه بِمَنْزِلَة قَرْقارِ وَهِي لُعْبة وَإِنَّمَا هِيَ من عَرْعَرْتُ ونظيرها من الثَّلَاثَة خَرَاج أَي اخْرُجُوا وَهِي لعبة ايضاً وَقَالَ الْمبرد غَلِطَ سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا وَلَيْسَ فِي بَنَات الْأَرْبَعَة من الفِعْل عَدْلُ وَإِنَّمَا قَرْقَارِ وعَرْعَارِ حِكَايَة للصوت كَمَا يُقَال غَاقِ غَاقِ وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَصْوَات وَقَالَ لَا يجوز أَن يَقع عَدْلٌ فِي ذَوَات الْأَرْبَعَة لِأَن الْعدْل إِنَّمَا وَقع فِي الثلاثي لِأَنَّهُ يُقَال فِيهِ فاعَلْتُ إِذا كَانَ من كل وَاحِد من الفاعلين فِعْلٌ مثلُ فِعلِ الآخر كَقَوْلِك ضاربتُه وشاتمته وَيَقَع فِيهِ تَكْثِير الْفِعْل كَقَوْلِك ضَرَبْتُ وقَتَّلْتُ وَمَا أشبه ذَلِك وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: بابُ فَعالِ فِي الْأَمر يُراد بِهِ التوكيدُ والدليلُ على ذَلِك أَن أَكثر مَا يَجِيء مِنْهُ مَبْنِيٌ مكرّر كَقَوْلِه:

(حَذَارِ من أَرْمَاحِنَا حَذارِ ... )

وَقَوله:

(تَركِها مِنْ إبِلٍ تَراكِهَا ... )

وَذَلِكَ عِنْد شدَّة الْحَاجة إِلَى هَذَا الْفِعْل وحَكَى محمدُ بن يزِيد عَن الْمَازِني مثلَ قَوْله وَحكى عَن الْمَازِني عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو مثل ذَلِك والأقوى عِنْدِي أَن قَول سِيبَوَيْهٍ أصح وَذَلِكَ أَن حِكَايَة الصَّوْت إِذا حَكَوْا وكَرَّرُوا لَا يُخالِفُ الأوَّلُ الثانيَ كَمَا قَالُوا غَاقِ غاقِ وحاءِ حاءِ وحَوْبِ حَوْبِ وَقد يُصَرِّفُونَ الفعلَ من الصَّوْت المكرر فَيَقُولُونَ عَرْعَرْتُ وقَرْقَرْتُ وَإِنَّمَا الأَصْل فِي الصَّوْت عارِ عارِ وقَار قَارِ فَإِذا صَرَّفُوا الْفِعْل مِنْهُ غَيَّرُوه إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>