للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(عَسَى الغُوَيْرُ أَبْوسَا ... )

ورُبَّ شيءٍ هَكَذَا وَإِنَّمَا ذكرنَا شرح جاءتْ وَإِن لم يكن دَاخِلا تَحت تَرْجَمَة الْبَاب لأُرِيكَ كَيفَ يجْرِي هَاهُنَا على الْمَعْنى قَالَ أَبُو عَليّ وَأَبُو سعيد: أما قولُهُم مَا جاءَتْ حاجَتَكَ فقد أَجْرَوْهَا مُجْرَى صارتْ وَجعلُوا لَهَا اسْما وخبراً كَمَا كَانَ ذَلِك فِي بَاب كَانَ وَأَخَوَاتهَا فَجعلُوا مَا مُبْتَدأ وَجعلُوا فِي جاءتْ ضَميرَ مَا وَجعلُوا ذَلِك الضميرَ اسمَ جاءتْ وجَعلَوا حاجَتَك خَبَرَ جاءَتْ فَصَارَ بِمَنْزِلَة هِنْدٌ كَانَت أُخْتَكَ وأنثوا جاءتْ غير مَعْرُوف إِلَّا فِي هَذَا وَهُوَ مَثَلٌ وَلم يُسْمَع إِلا بتأنيث جاءتْ وأَجْرَوْهُ مُجْرَى صارتْ وَيُقَال إِن أوّل مَا شُهِرَتْ هَذِه الكملة من قَول الخوراج لِابْنِ عَبَّاس حِين أَتَاهُم يَسْتَدْعي مِنْهُم الرجوعَ إِلَى الْحق من قِبَل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وأدخلوا التَّأْنِيث على مَا حَيْثُ كَانَت الحاجةَ يَعْنِي أنث جاءتْ بِمَعْنى التَّأْنِيث فِي مَا لِأَن مَعْنَاهَا أيَّةُ حَاجَة وَلَو حَمَلَ جَاءَ على لفظ مَا لقَالَ ماجاء حاجَتَكَ إِلَّا أَن الْعَرَب لَا تسْتَعْمل هَذَا المثلَ إِلَّا مؤنثاً والأمثالُ إِنَّمَا تُحْكَى وقولُ العربِ: مَنْ كانتْ أُمَّكَ جعلُوا مَنْ مُبتَدأَة وَجعلُوا فِي كَانَ ضميراً لَهَا وَجعلُوا ذَلِك الضَّمِير اسْم كَانَ وَجعلُوا أُمَّكَ خَبَرهَا وأنثوا كَانَت على معنى مَنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أيَّةُ امْرَأَة كَانَت أُمَّكَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن يَقُول من الْعَرَب مَا جاءتْ حاجَتُكَ كثيرٌ كَمَا تَقول من كَانَت أُمُّكَ يَعْنِي من الْعَرَب من يَجْعَل حاجتُك اسمَ جَاءَت وَيجْعَل خَبَرهَا مَا كَانَ يَجْعَل مَنْ خَبَرَ كَانَت وَيجْعَل أُمُّكَ اسْمَها وهما فِي مَوضِع نصب كَأَنَّك قلت أيَّةُ حَاجَة جاءَتْ حاجَتُكَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلم يَقُولُوا مَا جَاءَ حاجَتُكَ يَعْنِي أَنه لم يسمع هَذَا المَثَلُ إِلَّا بالتأنيث وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة من كَانَ أمَّكَ لِأَن قَوْلهم من كَانَ أَمَّك لَيْسَ بمَثَل فألزموا التَّاء فِي مَا جاءتْ حاجَتَكَ كَمَا اتفوقا على لَعَمْرُ اللهِ فِي الْيَمين وَمثل قَوْلهم: مَا جاءتْ حاجَتُكَ إِذا صارتْ تقع على مؤنث قراءةُ بعض القُرِّاء: {ثُمَّ لَمْ تكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلَاّ أَنْ قَالُوا} و {يَلْتَقِطْه بَعْضُ السَّيَّارَةِ} يَعْنِي أنَّ تكن مُؤَنّثَة وَاسْمهَا أنْ قَالُوا فَلَيْسَ فِي أَن قَالُوا تأنيثُ لفظ وَإِنَّمَا جعل تأنيثه على معنى أَن قَالُوا إِذا تأوَّلته تأويلَ مقالةٍ كَأَنَّهُ قَالَ ثمَّ لم تكن فِتْنَتَهم إِلَّا مَقَالَتَهُمْ وحُمِلَ تَلْتَقِطُه على الْمَعْنى فِي التَّأْنِيث لِأَن لفظ الْبَعْض الَّذِي هُوَ فاعلُ الالتقاطِ مُذَكّر وَلَكِن بعضُ السيارة فِي الْمَعْنى سَيَّارةٌ أَلا ترى أَنه يجوز أَن تَقول تَلْتَقِطْه السَّيَّارةُ وَأَنت تَعْنِي البعضَ فَهَذَا مثلُ مَا جاءتْ حاجَتَكَ حِين أنث فعلهَا على الْمَعْنى وَرُبمَا قَالُوا فِي بعض الْكَلَام: ذهبتْ بعضُ أصابِعه وَإِنَّمَا أنَّثَ البعضَ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى مؤنث هُوَ مِنْهُ وَلم لم يكن مِنْهُ لم يؤنثه لِأَنَّهُ لَو قَالَ: ذَهَبَتْ عَبْدُ أُمِّكَ لم يَحْسُن يَعْنِي لم يجز قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن الْمُذكر الَّذِي يُضَاف إِلَى الْمُؤَنَّث على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا: مَا تصح الْعبارَة عَن مَعْنَاهُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث الَّذِي أضيف إِلَيْهِ وَالثَّانِي: مَا لَا تصح الْعبارَة عَن مَعْنَاهُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث فَأَما مَا يَصح بِلَفْظِهِ فقولك: أَضَرَّتْ بِي مَرُّ السنين وآذَتْنِي هُبُوب الرِّيَاح وذَهَبَتْ بعضُ أصابعي واجتمعتْ أهلُ اليَمَامَةِ وَذَلِكَ أَنَّك لَو أسقطتَ الْمُذكر فَقلت أضَرَّتْ بِي السنون وآذَتْنِي الرياحُ وذهبتْ أصابعي وَاجْتمعت اليمامَةُ وَأَنت تُرِيدُ ذَلِك الْمَعْنى لجَاز وَأما مَا لَا تصح العبارةُ عَن مَعْنَاهُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث فقولك ذهَبَ عَبْدُ أُمِّكَ لَو قتلتَ ذهبتْ عَبْدُ أمك لم يجز لِأَنَّك لَو قلت ذهبتْ أُمُّك لم يكن مَعْنَاهُ معنى قَوْلك ذهب عبدُ أمك كَمَا كَانَ معنى اجْتمعت الْيَمَامَة كمعنى اجْتمعت أهلُ اليامة وَهَذَا البابُ الأول الَّذِي أجزنا فِيهِ تَأْنِيث فعل الْمُذكر الْمُضَاف إِلَى الْمُؤَنَّث الَّذِي تصح العبارةُ عَن مَعْنَاهُ بلفظها الاختيارُ فِيهِ تذكيرُ الْفِعْل إِذْ كَانَ الْمُذكر فِي اللَّفْظ فقولك اجْتمع أهل الْيَمَامَة وَذهب بعض أَصَابِعه أَجود من اجتمعتْ وذهبتْ والتأنيثُ على الْجوَار ومثلُ تأنيثِ مَا ذكرنَا قولُ الشَّاعِر وَهُوَ الْأَعْشَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>