للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(تَبَقَّلَتْ مِنْ أَوَّلِ التَّبَقُّلِ ... بَيْنَ رِمَاحَيْ مالِكٍ ونَهْشَلِ)

لِأَن مالكاُ ونَهْشَلاً قبيلتان وكل وَاحِدَة مِنْهُمَا لَهَا رماح فَلَو جمعتَ على هَذَا لقلتَ عشرُون رِماحاً قد الْتَقَتْ تُرِيدُ عشْرين قَبيلَة لكل مِنْهَا رماح وَلَو قلت عشرُون رُمْحاً كَانَ لكل وَاحِد مِنْهَا رُمْح قَالَ الشَّاعِر:

(سَعَى عِقَالاً فَلم يَتْرُكُ لَنَا سَبَداً ... فكيفَ لَو قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ)

(لأَصْبَحَ القومُ قد بادُوا وَلم يَجِدُوا ... عِنْدَ التَّفَرُّقِ فِي الهَيْجَا جَمَالَيْنِ)

أَرَادَ جِمالاً لهَذِهِ الفِرقَة وجمالاً لهَذِهِ الْفرْقَة فَإِذا بلغتَ المائةَ جئتَ بِلَفْظ يكون للذّكر وَالْأُنْثَى وَهُوَ مائَة كَمَا كَانَ عشرُون وَمَا بعْدهَا من العُقود وبينتَ الْمِائَة بإضافتها إِلَى وَاحِد منكور فَإِن قَالَ قَائِل مَا الْعلَّة الَّتِي لَهَا أُضِيفَتْ إِلَى وَاحِد منكور فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّهَا شابهت الْعشْرَة الَّتِي حكمُها أَن تُضَاف إِلَى جمَاعَة وَالْعِشْرين الَّتِي حكمهَا أَن تميز بِوَاحِد منكور فأُخِذَ من كل وَاحِد مِنْهُمَا شَبَهٌ فأضيف بِشَبَهِ الْعشْرَة وجُعِلَ مَا يضافُ إِلَيْهِ وَاحِدًا بِشَبَهِ الْعشْرين لِأَنَّهَا يُضَاف إِلَيْهَا نوع يبينها كَمَا يُبَيِّنُ النوعُ المُمَيِّزُ الْعشْرين فَإِن قَالَ قَائِل وَمَا شَبَهُهَا من الْعشْرَة وَالْعِشْرين قيل لَهُ أما شَبَهُها من الْعشْرَة فَلِأَنَّهَا عَقْدٌ كَمَا أَن الْعشْرَة عقد وَأما شبهها من الْعشْرين فَلِأَنَّهَا تلِي التسعين وحكمُ عَشْرَةِ الشيءِ كَحكم تِسْعَتِهِ أَلا ترى أَنَّك تَقول تِسْعَة أَثوَاب وَعشرَة أَثوَاب فَتكون العشرةُ كالتسعة والمائةُ من التسعين كالعشرة من التِّسْعَة وَذَلِكَ قَوْلك مِائَتَا دِرْهَم وَمِائَتَا ثوب وَنَحْو ذَلِك وَيجوز فِي الشّعْر إدخالُ النُّون على الْمِائَتَيْنِ ونصبُ مَا بعْدهَا قَالَ الشَّاعِر:

(إِذا عَاشَ الفتَى مائتينِ عَاما ... فقد ذَهَبَ اللَّذاذةُ والفَتَاءُ)

وَقَالَ آخر أَيْضا

(أَنْعَتُ عَيْراً مِنْ حَمِير خَنْزَرهْ ... فِي كُلِّ عَيْرٍ مائتانِ كَمْرَهْ)

فَإِذا أردْت تَعْرِيف الْمِائَة والمائتين أدخلتَ الألفَ واللامَ فِي النَّوْع وأضفتَها إِلَيْهِ كَقَوْلِك مائةُ الدِّرْهَم وَمِائَتَا الثَّوْب فَإِذا جمعتَ الْمِائَة أضفت الثلاثَ فَقلت ثَلَاثمِائَة إِلَى تِسْعمائَة فَإِن قَالَ قَائِل هَلَاّ قُلْتُمْ ثلاثُ مِئينَ أَو مِئَاتٍ كَمَا قُلْتُمْ ثلاثُ مسلماتٍ وتِسْعُ تَمَرَاتٍ فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنا رَأينَا الثلاثَ المضافة إِلَى الْمِائَة قد أشبهت الْعشْرين فِي وَجه وأشبهت الثَّلَاث الَّتِي فِي الْآحَاد من وَجه فَأَما شبهها بالعشرين فِلأَنَّ عَقْدَها على قِيَاس الثلاثِ إِلَى التِّسْعِ لِأَنَّك تَقول ثلاثُمائَةٍ وتسعمائةٍ ثمَّ تَقول ألفٌ وَلَا تَقول عَشْرُ مائةٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك عشرُون وَتسْعُونَ ثمَّ تَقول مائةٌ على غير قِيَاس التسعين وَتقول فِي الآحَادِ ثلاثُ نِسْوَةٍ وعَشْرُ نِسْوَةٍ فَتكون العَشْرُ بِمَنْزِلَة التَّأْنِيث فَأَشْبَهت ثلاثُمائةٍ الْعشْرين فَبُيِّنَتْ بواحدٍ وأشبهت الثلاثَ فِي الْآحَاد فَجعل بيانُها بِالْإِضَافَة وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا أَنهم قَالُوا ثلاثةُ آلَاف فَإِنَّمَا أضافوا الثلاثةَ إِلَى جمَاعَة لأَنهم يَقُولُونَ عشرةُ آلافٍ فَلَمَّا كَانَ عَشَرَتُه على غير قِيَاس ثلاثته أَجْرَوْهُ مُجْرَى ثلاثةِ أثوابٍ لأَنهم قَالُوا عشرةُ أثوابٍ فَإِذا قلت ثلاثمائةٍ فَحكم الْمِائَة بعد إِضَافَة الثَّلَاث إِلَيْهَا أَن تُضَاف إِلَى واحدٍ منكور كحكمها حِين كَانَت مُنْفَرِدَة وَيجوز أَن تُنَوَّنَ وتُمَيَّزَ بواحدٍ كَمَا قيل مائتانِ عَاما فَأَما قولُ الله عز وَجل: {ثَلاثَمائةٍ سِنِينَ وازْدَادُوا تِسْعاً} [الْكَهْف: ٢٥] فَإِن أَبَا إِسْحَاق الزّجاج زعم أَن سِنِين منتصبةٌ على الْبَدَل من ثلاثِمائةٍ وَلَا يَصح أَن تُنْصَب على التَّمْيِيز لِأَنَّهَا لَو انتصبت بذلك فِيمَا قَالَ لوَجَبَ أَن يَكُونُوا قد لَبِثُوا تِسْعَمائَة وَلَيْسَ ذَلِك بِمَعْنى الْآيَة وقبيحٌ أَن يُجْعَل سِنين نعتاً لَهَا لِأَنَّهَا جامدة لَيْسَ فِيهَا معنى فِعْلٍ وَقَالَ الْفراء يجوز أَن تكون سِنِين على التَّمْيِيز كَمَا قَالَ عنترة فِي بَيت لَهُ:

(فِيهَا اثْنَتَانِ وأربعونَ حَلَوبَةٌ ... سُوداً كَخَافِيَةِ الغُرَابِ الأَسْحِمِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>