للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الزّمان، فقد يكون قريباً، أو بعيداً، أو مختلفاً جداً من حيث القرب أو البعد بالنسبة للفاعل أو للرّاوي. إذن فإنَّ علاقةَ الفعلِ بالزّمان في هذ الإطار تكشف لنا تَعَدُّدَ المراتب الزّمنيةِ بأنَّهَا أكثرُ من ثلاثةٍ. وقد يختلف هذا التّعَدُّدُ من لغةٍ إلى أخرى حسب طبيعتِهَا وانسجامِهَا مع اللّغاتِ المتطوّرةِ. فإنّ اللّغاتِ البسيطةَ قد لا تشتمل على مصطلحاتٍ علميةٍ ولا تدعو حاجةُ الناطقينَ بها إلى استعمالِ صِيَغٍ للمراتب الزّمنيَّةِ.

أما الزّمان في الأساس ـ من حيث علاقة الفعل به ـ فينقسم إلى بسيطٍ ومركَّبٍ. فالبسيطُ منهما أصلٌ، والمركَّبُ فرعٌ. لذا فإنَّ الأزمنةَ البسيطةَ مطلقةٌ عن القيودِ، أما المركَّبَةُ فإنَّها مقيَّدَةٌ.

الأزمنةُ البسيطةُ ثلاثةٌ وهي:

١ـ الماضي المطلقُ: THE PAST UNCONDITIONAL

وهو الفعل الذي يُخْبِرُ المتكلِّمُ أو الرّاوي أنّه حدثَ في سابقٍ من الزّمان دونما أيِّ تقييدٍ لَهُ بوقتٍ مُعَيَّنٍ. مثل (أنْطَقَتْ، وَمَا عَطَفُوا، وَلاَ عَرَفُوا) في قول الشاعر:

وأنطقت الدّراهِمُ بَعْدَ صمتٍ ... أُنَاساً بَعْدَ مَا كَانُوا سُكُوتًا

فَمَا عَطَفُوا عَلَى أَحَدٍ بِفَضْلٍ ... وَلاَ عَرَفُوا لِمَكْرُمَةٍ ثُبُوتًا

(الإمام الشافعي، ديوان الشافعي ص ٣٠، دار الجيل، بيراوت- ١٩٧٤م)

فإنَّ الشاعرَ قد ذكر هذه الأفعالَ الماضيةَ الثلاثةَ دونما تحديدٍ لها بوقت مُعَيَّنٍ. بل أطلقها لشمولها البيانيِّ. وكأنَّ الشاعرَ قال: " كل من أصاب من الغِنَى، يبدأ ينطق بِجُرْأَةٍ بعد أن كان الحرمانُ يُرْغِمُهُ على الصمتِ فيما سَبَقَ" وهذا تعميمٌ يدلُّ على أن (أنْطَقَتْ، وَمَا عَطَفُوا، وَلاَ عَرَفُوا) أفعالٌ مستغرقةٌ في طيِّ الماضي، غيرُ محدودةٍ بجزءٍ منه.

<<  <   >  >>