للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَال قدامة بْن مُحَمَّدٍ الخشرمي، عن محمد بن صالح التمار: كان صفوان بن سليم يأتي البقيع في الأيام. فيمر بي فاتبعته ذات يوم وقلت: والله لأنظرن ما يصنع. فقنع رأسه، وجلس إلى قبر منها، فلم يزل يبكي حتى رحمته. قال: ظننت أنه قبر بعض أهله، قال: فمر بي مرة أخرى فاتبعته، فقعد إلى جنب قبر غيره ففعل مثل ذلك، فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر، وقلت: إنما ظننت أنه قبر بعض أهله، فقال محمد: كلهم أهله وإخوته، إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات، كلما عرضت له قسوة، قال: ثم جعل محمد بن المنكدر بعد يمر بي فنأتي البقيع، فسلمت عليه ذات يوم، فقال: أما نفعتك موعظة صفوان، فظننت أنه انتفع بما ألقيت إليه منها.

وَقَال أَحْمَد بْن يحيى الصوفي (١) ، عَن أبي غسان النهدي: سمعت سفيان بن عُيَيْنَة، وأعانه على الحديث أخوه، قال: حلف صفوان بن سليم ألا يضع جنبه بالأرض حتى يلقى الله، فمكث على ذلك أكثر من ثلاثين عاما، فلما حضرته الوفاة، واشتد به النزع والعلز (٢) ، وهو جالس، فقالت ابنته، يا أبت لو وضعت جنبك، فقال: يا بينه إذا ما وفيت لله بالنذر والحلف، فمات، وإنه لجالس، قال سفيان: فأخبرني الحفار الذي يحفر قبور أهل المدينة قال: حفرت قبر رجل فإذا أنا قد وقعت على قبر، فوافيت جمجمة، فإذا السجود قد أثر في عظام الجمجمة، فقلت لإنسان: قبر من هذا، فقال: أو ما تدري، هذا قبر صفوان بن سليم.


(١) حلية الاولياء: ٣ / ١٥٩ مختصرا.
(٢) العلز: القلق والكرب عند الموت، وشبه رعدة تأخذ المريض.