للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة

بعد دراستي لفترة العصر الأيوبي التي كتبها العيني في سفره الكبير "عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان" شعرت بالمكانة الهامة له بين ثبت المصادر التي تناولت هذه الحقبة التاريخية؛ إذ تضمن المزيد من المعلومات والإضافات الجديدة التي كنا نحتاج إليها، فضلا عن ذلك استشفيت ملحوظتين ربما غابتا عني قبل ذلك وهما:

أولًا: ظاهرة الفروسية التي تعني تمسك الفارس بمبادئ أخلاقية نبيلة في علاقته بخصمه، أو بغير خصمه من شتى صنوف البشر حوله، وهذه المبادئ في كثير من جوانبها قد تفوق ما يعرفه العالم المعاصر من مبادئ حقوق الإنسان. إذ كان الفارس العربي يغضب أمام أية محاولة لخرق عرف أو تقليد أخلاقي، ويرق أمام أية عاطفة إنسانية نبيلة، وكان هذا موروثًا عربيًا إسلاميًا، انتقل إلى أوربا في العصور الوسطى عبر الفاتحين المسلمين، في بلاد الأندلس وصقلية، وعبر الاحتكاك العنيف بين فرسان المسلمين والغزاة الصليبيين، إبان الحروب الصليبية، وخاصة العصر الأيوبي.

ثانيًا: ظاهرة الدوافع التي انطلقت منها أوربا لغزو المشرق الإسلامي؛ وتجاهلها الكثرة من مؤرخي أوربا، حيث صورت هذه الكثرة تلك الدوافع على أنها دينية أي بغرض استرداد بيت المقدس -مهد السيد المسيح عليه السلام- من أيدي المسلمين، وقد كان هذا هو الزعم المعلن من قبل بابوات روما، وأباطرة وأمراء أوربا، وقد انطلى هذا الزعم على بعض الأتقياء.

أما الهدف الحقيقي؛ فكان المغنم المادي، وانتهاب ثروات بلاد الشرق، وإيجاد مقاطعات للأمراء الأوربيين الذين كانوا مصدر قلاقل لأصحاب النفوذ هناك، بالإضافة إلى طمع المدن التجارية في إيطاليا وغيرها، في السيطرة على طرق التجارة التي تدر عليهم أرباحًا طائلة.

ج: ص:  >  >>