للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال (١) لها: ما يبكيك؟ فقالت: أنا داخلة من باب القلعة، فتعرض إلىَّ الاسفهسلار (٢)، فقام شيركوه، وتناول حربة الاسفهسلار، وضربه بها فقتله، فمسكه أخوه نجم الدين واعتقله. وعرف بهروز بذلك، فوصل جوابه: "لأبيكما علىَّ حقٌ، وبيني وبينه مودة متأكدة، ما يمكنني أن أكافئكما بسيئة، ولكني أشتهي أن تتركا خدمتي، وتخرجا من بلدي، وتطلبا رزقكما". فلما وقفا عليه، خرجا. ووصلا إلى الموصل، فأحسن إليهما الأتابك عماد الدين زنكي، والد نور الدين محمود بن زنكي، وأقطعهما إقطاعًا حسنًا.

ثم لما ملك الأتابك قلعة بعلبك كما ذكرناه، استخلف بها نجم الدين أيوب، ثم بعد مدة انتقل إلى دمشق، وأقام في خدمة نور الدين محمود بن زنكي، ثم لم يزل معه في السراء والضراء والحضر والسفر حتى صار أكبر الأمراء عنده، فصار لا يقطع أمرًا دونه، ثم أن نور الدين أرسل أخاه شيركوه إلى الديار المصرية ثلاث مرات كما ذكرناه.

وكان معه في كل مرة ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، ثم لما جري ما جرى من أمور المصريين، وغلب عليهم صلاح الدين يوسف، وصار أمر الديار المصرية إليه كما ذكرناه مفصلًا، طلب من نور الدين أن يرسل إليه أباه نجم الدين، فأرسله إليه مع أهله وحاشيته كما ذكرنا.

وقال العماد الكاتب (٣): لما دخل فصل النيروز (٤)، استأذن الأمير نجم الدين أيوب نور الدين في قصده ولده صلاح الدين، والخروج من دمشق إلى مصر بأهله وجماعته. وخيم بظاهر البلد، ثم سار، فوصل إلى مصر في السابع والعشرين من رجب من سنة خمس وستين وخمسمائة، وركب العاضد خليفة مصر لاستقباله. ووصف ذلك عمارة اليمني في قصيدة مدح بها السلطان صلاح الدين منها قوله:


(١) أورد ابن خلكان هذه الأحداث بالتقديم والتأخير. انظر: وفيات الأعيان، ج ١، ص ٢٥٧.
(٢) اسفهسلار: كلمة مكونة من لفظين أحدهما فارسي وهو "اسفه" ومعناه المقدم، والثاني تركي هو "سلار" معناه العسكر، فكان معناها "مقدم العسكر"، وقد استعمل هذا المصطلح في عهد الدولة الفاطمية، وكان حامله صاحب وظيفة تلى صاحب الباب. انظر: صبح الأعشي، ج ٣، ص ٤٨٣.
(٣) انظر قول العماد في الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٤٦٣ - ٤٦٤ أحداث سنة ٥٦٥ هـ.
(٤) النيروز: أول من اتخذ النوروز جمشيد ويقال في اسمه أيضًا جمشاد، أحد ملوك الفرس الأول، وهو في الأصل نوروز وعربته العرب إذ قلبوا الواو ياء فقالوا نيروز، ومعناه اليوم الجديد. انظر الخطط، ج ٢، ص ٣٩٠ - ٣٩١. طبعة مكتبة الآداب.

<<  <  ج: ص:  >  >>