للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكريت، فلما انفصل منها على ما ذكرنا، تلقاه زنكي بالرحب والسعة، واحترمه احترامًا عظيمًا (١).

وقال صاحب تاريخ الدولتين (٢): وكان نجم الدين قد ساس الناس بتكريت أحسن سياسة، حتى ملك بذلك حبات قلوبهم، وكان أخوه شيركوه معه في القلعة، وكان شجاعا باسلًا، ينزل من القلعة ويصعد إليها في أسبابه وحاجاته. وكان نجم الدين لا يفارق القلعة ولا ينزل منها، فاتفق أن أسد الدين شيركوه نزل يومًا لبعض شأنه، ثم عاد إلى القلعة، وكان بينه وبين كاتب صاحب القلعة قوارض، وكان رجلًا نصرانيا، فاتفق في ذلك اليوم أن النصراني صادف أسد الدين صاعدًا إلى القلعة، فعبث به بكلمة مُمِضّة، فجرد أسد الدين سيفه، وقتل النصراني، وصعد إلى القلعة، وكان مهيبًا، فلم يتجاسر أحد على معارضته في أمر النصراني بشيء، وأخذ النصراني برجله، فألقاه من القلعة. وبلغ ذلك إلى بهروز [وحضر] (٣) عنده مَنْ خوَّفه جرأة أسد الدين، وأنه ذو عشيرة كبيرة، وأن أخاه نجم الدين قد استحوذ على قلوب الرعايا، وأنه ربما كان منهما (٤) أمر يخشي عاقبته ويصعب استدراكه، فكتب إلى نجم الدين ينكر عليه ما جرى من أخيه، ويأمره بتسليم القلعة إلى نائب سيرهُ صحبة الكتاب، فأجاب نجم الدين [إلى] (٥) ذلك بالسمع والطاعة، وأنزل من القلعة جميع ما كان له بها من أهل ومال. واجتمع هو وأخوه أسد الدين، وصمما على قصد عماد الدين زنكي بالموصل، فخرجا واتصلا به كما ذكرنا. وقيل إن أسد الدين خرج إلى الموصل قبل نجم الدين، ثم أنه جرى بين أسد الدين وبين جمال الدين الوزير مودة عظيمة، حتي حلف كل واحد منهما للآخر أنه يقوم بأمره في [حياته] (٦) وبعد وفاته، وتجرد جمال الدين في أمر أسد الدين وأخيه نجم الدين، حتى قربهما من قلب أتابك، وجعلهما عنده بالمنزلة العظيمة، وخرجا معه إلى الشام، وشهدا معه حروب الكفار وقتال الإفرنج، لعنهم الله، وكان لأسد الدين في تلك الوقائع اليد البيضاء، والفعلة الغراء.


(١) ورد هذا النص بتصرف في الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٥٣٧؛ انظر أيضا: الباهر، ص ٤٣ - ٤٤، حاشية ٦.
(٢) الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٥٣٧.
(٣) "وحصل" في نسختى المخطوطة أ، ب، والمثبت بين الحاصرتين من الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٥٣٧، حيث ينقل العينى عنه.
(٤) "منه" في نسخة ب.
(٥) ما بين الحاصرتين إضافة من الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٥٣٨، لاستقامة النص.
(٦) "حيوته" في نسخة أ. والمثبت بين الحاصرتين من نسخة ب والروضتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>