للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبها إلى أبي قبيس (١)، فتحصن فيه (٢) بقلعة بناها عليه، وأغلق باب الكعبة وأخذ المفاتيح، فجاء شمس الدولة فطاف بالبيت، وصلى ركعتين وصعد إلى باب الكعبة، وقال: اللهم إن كنت تعلم أني جئت إلى هذه البلاد لإصلاح العباد وتمهيدها، فيَسِّر علىّ فتح الباب، وإن كنت تعلم أني جئت لغير ذلك فلا تفتحه. ومدَ يدَه فجذب القفل فانفتح (٣)، فدخل شمس الدولة إلى البيت وصلى ودعا.

فلما بلغ أمير مكة ذلك نزل إلى خدمته، وحمل المفاتيح واعتذر وقال: خفت منك، والآن فأنا تحت طاعتك. فقال له: إذا أخذت منك مفاتيح مكة فلمن أعطيها، ثم خلع عليه وعلى أصحابه، وطيب قلوبهم. وسار إلى اليمن، فانهزم عبد النبي بين يديه إلى زَبيد. وكان أبوه المسمى بالمهدي قد فتح البلاد، وقتل خلقًا كثيرا، وشق بطون الحوامل، وذبح الأطفال على صدور أمهاتهم. وكان يرى رأي القرامطة (٤)، ويظهر أنه داعية "لصاحب" (٥) مصر، ويتستر بالإسلام (٦). وكان قد مات قبل دخول شمس الدولة اليمن بسنين، وملك بعده ولده عبد النبي، ففعل باليمن أشد مما فعله أبوه، وسبى [نساءهم] (٧) واستعبدهم. وكان أبوه لما مات بني عليه قبةً عظيمةً وصَفَّح حيطانها بالذهب الأحمر والجواهر ظاهرا وباطنا، بحيث لم يعمل في الدنيا مثلها، وجعل فيها قناديل الذهب وستور الحرير، ومنع أهل اليمن (٨) من زَبِيدَ إلى حضرموت أن يحجوا إلى


(١) أبو قُبَيس: اسم الجبل المشرف على مكة من شرقها. وهو نسبة إلى رجل من مذحج كان يكنى أبا قبيس لأنه أول من بنى فيه قبة. انظر: معجم البلدان، ج ١، ص ١٠٢.
(٢) "عليه" في مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٨٨.
(٣) "بها ففتح" في نسخة ب.
(٤) القرامطة: طائفة سياسية اتخذت الدعوة إلى إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وسيلة لتحقيق أغراضها، وسلاحا للوصول إلى ما تصبو إليه. وهم يُنسبون إلى حمدان بن الأشعث، قَرْمَط. وقد سمي بهذا الاسم لأنه كان يقرمط في سيره إذا مشى، أي يقارب بين خطواته. ويقال إنه سمي بقرمط لقصور قامته ورجليه. ويقال أيضا أنه لقب بهذا لأنه كان أحمر البشرة تشبيها له بالقرمد، وهو الطوب الأحمر (الآجر). وأصل هذا اللفظ يوناني Keramidi. انظر: اتعاظ الحنفا، ج ١، ص ٢٦؛ جمال الدين سرور: سياسة الفاطميين الخارجية، ص ٤١، ط. دار الفكر العربي، ١٩٧٦ م؛ انظر: المعجم الوسيط، ج ٢، ص ٧٣٧.
(٥) "لأهل" في المرآة، ج ٨، ص ١٨٨.
(٦) "باليمن" في المرآة، والمثبت هو الأولى للسياق.
(٧) "نسائهم" في نسخة أ. والمثبت بين الحاصرتين من نسخة ب.
(٨) "البلد" في مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>