للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان كثير المطالعة في الكتب الدينية، متبعا الآثار النبوية، مواظبا على الصلوات الخمس في الجماعات، عاكفا على تلاوة القرآن، حريصا على فعل الخير، عفيف البطن والفرج، مقتصدا في الإنفاق، متحريا في المطعم والمشرب والملبس. لم تسمع منه كلمة فحش قط، لا في رضاه ولا في غضبه، هذا مع ما جمع الله فيه من العقل المتين، والرأي الصائب الرصين، والاقتداء بسنة السلف الصالحين حتي روي حديث المصطفى [وأسمعه] (١)، وكان قد استجيز له ممن سمعه وجمعه؛ حرصا منه على الخير، ونشر السنة والتحديث، ورجاء أن يكون ممن حفظ على الأمة أربعين حديثًا، كما جاء في الحديث. وكان يكتب خطًا حسنا، وكان عارفًا بمذهب أبي حنيفة (- رضي الله عنه -)، وليس عنده تعصب على أحد، والمذاهب كلها سواء.

وقال ابن الأثير (٢): وكان يوما يلعب بالأكرة في ميدان دمشق، فجاء رجل، فوقف بإزائه، وأشار إليه، فقال للحاجب: أسأله ما حاجته، فسأله، فقال: لى مع نور الدين حكومة، فرمى الصولجان من يده، وجاء إلى مجلس القاضي كمال الدين بن الشهرزوري، وتقدمه الحاجب يقول للقاضي: قد قال لك: لا تنزعج واسلك معه ما تسلكه مع آحاد الناس، فلما سوى بينه وبين خصمه، وتحاكما، فلم يثبت للرجل عليه حق، وكان يدعى مُلكا في يد نور الدين، فقال نور الدين للقاضي والعدول: هل ثبت له عليّ حق؟ قالوا: لا، قال: فاشهدوا أني قد وهبت له هذا المُلك، وقد كنت أعلم أنه لا حق [له] (٣) عندي، وإنما حضرت معه؛ لئلا يقال عنى: إني دُعيت إلى مجلس الشرع فأبيت (٤).


(١) "واسمه" في نسختى المخطوطة أ، ب. والصحيح ما أثبتناه.
(٢) انظر: الباهر، ص ١٦٦ - ١٦٧؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٩٣؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٢٩٩.
(٣) "لك": في الأصَل: ويبدو أنه خطأ من الناسخ ويؤيد ذلك الضمير السابق واللاحق في الكلام، انظر: الباهر، من ص ١٦٦ - ١٦٧؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٢٩٩.
(٤) انظر هذه القصة عن عدله في الكامل، ج ١٠، ص ٥٧؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٩٣، الروضتين، ج ١ ق ١، ص ١٥؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>