للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصعد بي [إلى] (١) القلعة، قال: فندمت على مجيئي حلب، وقلت: ياليتني قبلت من ذلك الرجل الصالح، ولعل نور الدين يتوهم أني إسماعيلى.

قال: فلما كان بعد ساعة عاد نور الدين إلى القلعة، وجلس في الإيوان (٢)، وَمُدَّ سماط عظيم، ولم يمد يده إليه، وإذا قد فتح باب عن يمينه صغير، وخرج منه خادم، وعلى يده طبق خوص، مغطى بمنديل، فوضعه بين يديه، وفيه غضارة (٣) عليها رغيف، فتأملتها من بعيد، وهي ترِدُه، فتناول منها شيئا يسيرا، وأكل الناس وأكلت معهم، وصرف الناس، وبقيت قاعدا خائفا، فأومأ إلى، فقمت وأتيت إلى بين يديه، وأنا خائف أرعد، فقال: من أين أنت؟ قلت: من حران، قال: وما الذي أقدمك؟ قلت: على دين وبلغني إحسانك إلى الناس، فقصدتك لتقضي ديني، قال: وكم دينك؟ قلت: خمسون دينارا، قال: ما أعطاك صاحب العباءة أمس على الفرات خمسين دينارا؟ هل لا رجعت إلى أهلك، وأنت عليك خرقة الفقر، وإذا حصل القوت للفقير فما (٤) يطلب شيئا آخر. ثم قال: ما يضيع تعبك، ورفع سجادته، وكانت زرقاء، وإذا بقرطاس مثل القرطاس الذي أعطاني صاحب العباءة. قال: فبكيت بكاء كثيرا، وقلت: لا آخذه حتي تخبرني بصاحب العباءة، قال: هو أمر لا يلزمك، فقلت: يا مولاي أنا غريب وضيف ولي حرمة، فبالله عليك أخبرني، فقال: إحلف لي أنك لا تتحدث بهذا في حال حياتي، فحلفت له، فكشف [القباء] (٥)، وإذا بتلك العباءة على جسده، وقال: أنا ذاك الفقير. فقلت: بالله الذي أعطاك هذه المنزلة بأى شئ وصلت إلى هذا، فقال: بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} (٦).

قال: لما التقينا بالإفرنج على حارم (٧)، ونصرنا الله عليهم، وعدت إلى حلب،


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من أ ومثبت من ب.
(٢) "الديوان" في مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٩٨.
(٣) الغضارة: صحفة من الطين يوضع فيها الطعام. انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة "غضر"، ج ٦١، ص ٣٢٧.
(٤) "فلا" في نسخة ب.
(٥) "العباءة" في الأصل، والمثبت من المرآة، ج ٨، ص ١٩٩ حيث ينقل عنه العيني.
(٦) سورة الأنبياء: آية (١٠١).
(٧) هي حصن حصين وكورة جليلة تجاه أنطاكية، وهي من أعمال حلب، انظر: معجم البلدان؛ ج ٢، ص ١٨٤؛ وعن فتح نور الدين لحارم انظر: الباهر، ص ١٢٢ - ١٢٦؛ الكامل، ج ٤، ص ٤٦٧ - ٤٦٩؛ الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٣٣٩ - ٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>