للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لى طبيب بدمشق يعرف بالرحبى (١)، وهو من أحذق الأطباء، قال (٢): استدعاني نور الدين في مرضه الذي توفي فيه مع غيري من الأطباء، فدخلنا عليه، وهو ببيت صغير بقلعة دمشق، وقد تمكنت الخوانيق منه، وقارب الهلاك. فلا يكاد يسمع صوته، وكان يخلو فيه للتعبد في أكثر أوقاته، فابتدأ به المرض فيه، فلم ينتقل عنه. فلما دخلنا عليه، ورأينا ما به، قلت: كان ينبغي أن لا يؤَخَّر [إحضارنا] (٣) إلى أن يشتد المرض إلى هذا الحد، فالآن ينبغي أن تنتقل إلى مكان فسيح، فله أثر في هذا المرض. وشرعنا في علاجه، فلم ينجع فيه الدواء، ومات عن قريب (٤). قال ابن عساكر (٥): وتوفي يوم الأربعاء الحادي عشر من شوال سنة تسع وستين وخمسمائة، ودفن بقلعة دمشق، ثم نقل إلى تربة تجاور مدرسته التي بناها لأصحاب أبي حنيفة (- رضي الله عنه -) جوار الخواصين في الشارع الغربي. وقال العماد: قلت في ذلك:

عَجِبْتُ من (٦) المَوتِ كيفَ اهْتدى … إلى مَلِكٍ في سَجايا مَلَكْ

وكيف ثَوى الفَلَكُ المُسْتَدِيـ … ـرُ في الأرضِ، والأرضُ وسط الفَلَكْ (٧)

وقال ابن كثير (٨): حصلت له علة الخوانيق، ومنعته عن النطق، فمات في التاريخ المذكور، وصلى عليه بجامع القلعة، ودفن بها، حتي حُوّل إلى تربته التي بُنيت له بباب المدرسة التي أنشأها للحنفية. وقبره بدمشق مشهور يزار وَيُخَلَّقُ شباكه، فيستطيب برائحته (٩) كل مَار. وإنما يقول الناس: [قبر] (١٠) نور الدين الشهيد، لما حصل له في "حلقه" (١١) من الخوانيق، وكذا كان يقال لأبيه الشهيد، ويلقب بالقسيم. وكانت الإفرنج


(١) هو: جمال الدين عثمان بن يوسف بن حيدرة الرحبي.
(٢) انظر هذا الخبر في ابن واصل: مفرج الكروب، ج ١، ص ٢٦٢.
(٣) "إحضارك عنك" في نسختى المخطوطة أ، ب والمثبت بين الحاصرتين من الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٥٨٢.
(٤) ورد هذا الخبر بتصرف في: الباهر، ص ١٦١ - ص ١٦٢.
(٥) "العساكر" في نسختى المخطوطة أ، ب. وقد نقل العيني هذا الخبر من الروضتين عن ابن عساكر، ج ١ ق ٢، ص ٥٨٢ - ٥٨٣.
(٦) "إلى" في نسخة ب.
(٧) انظر: الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٥٨١.
(٨) البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٠٤.
(٩) "رائحته" في نسخة ب.
(١٠) ما بين الحاصرتين إضافة من البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٠٤، لتوضيح النص.
(١١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>