للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب الموصل- لما تحقق موت عمه، وكان محصورا منه، نادى مناديه بالبلد بالمسامحة في اللعب واللهو والشرب والطرب، ومع المنادي دف (١) وقدح ومزمار، وتحقق حينئذ قول الشاعر (٢):

ألا فاسقني خَمْرا وقُلْ لى هي الخَمْرُ … ولا تَسْقِني سِرًا وقد أمكَن الجَهْرُ

وطمعت الأعداء من كل جانب في المسلمين، وعزم الإفرنج على قصد دمشق، فبرز إليهم الأتابك ابن المقدم [فواقعهم] (٣) عند بانياس، فضعف عن مقاومتهم، فهادنهم مدة ودفع إليهم أموالًا جزيلة عجَّلها لهم، ولولا خوفهم من قدوم السلطان الملك الناصر صلاح الدين صاحب الديار المصرية "لما هادنوه. ولما بلغ ذلك صلاح الدين" (٤) كتب إلى الأمراء، وخاصة إلى ابن المقدم، يلومهم على ما صنعوا من المهادنة، ودفع الأموال إلى الإفرنج، وهم أقل وأذل، وأنه على عزم (٥) قصد البلاد؛ لحفظها من الإفرنج فردوا إليه كتابا فيه غلظة وكلاما فيه بشاعة، فلم يلتفت إليهم. ومن شدة خوفهم منه كتبوا إلى سيف الدين غازي صاحب الموصل ليملَّكوه عليهم، [ليدفع عنهم كيد] (٦) الملك الناصر صلاح الدين، فلم يفعل؛ لأنه خاف أن تكون مكيدة منهم له، وذلك أنه كان قد هرب منه الطواشي سعد الدولة كمشتكين، الذي كان قد جعله عنده نور الدين عينا عليه، وحافظًا له من تعاطي ما لا يليق عليه، فلما سمع الخادم بموت أستاذه خاف أن يمسكه، فهرب سرا، فحين تحقق غازي موت عمه بعث في طلب الخادم ففاته، فاستحوذ على حواصله (٧). ودخل سعد الدولة حلب، ثم سار إلى دمشق، فاتفق مع الأمراء على أن يأخذ ابن أستاذه الملك الصالح إسماعيل إلى حلب، فيربيه هنالك، وتكون دمشق مسلمة إلى الأتابك شمس الدين بن المقدم، والقلعة إلى الطواشي جمال الدين ريحان، فسار معه الأمراء والأكابر من دمشق، وذلك في الثالث


(١) "دنّ" في نسخة ب.
(٢) ذكر أبو شامة الشطر الثاني من هذا البيت ونسبه إلى ابن هاني. انظر: الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٥٩٢.
(٣) "فوافقهم" في نسختى المخطوطة أ، ب والمثبت من البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٠٥.
(٤) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٥) "عزم على" في نسخة ب.
(٦) "ليدفعوا به الملك الناصر" في نسختى المخطوطة أ، ب. والمثبت بين الحاصرتين من البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٠٥.
(٧) انظر هذا الخبر في مفرج الكروب، ج ٢، ص ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>