للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن خلكان (١): وأقام عمارة في مصر إلى شوال من سنة خمسين في أرغد عيش وأعز جانب، ثم فارق مصر في هذا التاريخ، وتوجه إلى مكة، ومنها إلى زَبيد في صفر سنة إحدى وخمسين، ثم حج من عامه، فأعاده قاسم صاحب مكة المذكور في رسالة (٢) إلى مصر مرة ثانية، فاستوطنها ولم يُفارقها بعد ذلك. وكان فقيها شافعي المذهب، شديد التعصب للسُّنة، أديبا ماهرًا، شاعرًا مجيدا، محادثا ممتعًا، فأحسن الصالح وبنوه إليه كل الإحسان، وصحبوه مع اختلاف العقيدة؛ لحسن صحبته.

وله في الصالح وولده مدائح كثيرة، وكانت بينه وبين ابن شاور (٣) صحبة متأكدة قبل وزارة أبيه، فلما وُزِّرَ استحال عليه فكتَبَ إليه:

إذا لم يُسَالِمْك الزمَانُ فحارِبِ … وباعِدْ إذا لم تنتفعْ بالأقاربِ

ولا تحتقرْ كيدًا ضَعِيفا فربَّما … تموتُ الأفاعي من [سمام] (٤) العقَاربِ

فقد هَدّ قِدمًا عرش بلقيس هدْهدٌ … وَخرَّبَ فأرُ قبل ذا سد مأربِ

إذا كان رأسُ المالِ عُمْرك فاحترز … عليه من الإنفاقِ في غير واجبِ

فبين اختلافِ الليلِ والصبح مَعرَكٌ … يَكر علينا جيشُه بالعجائبِ

وما راعَني غَدْرُ الشبابِ لأنني … أَنِستُ بهذا الخُلْق من كلِّ صاحبِ

وغدْرُ الفتى في عَهْده ووفائِه … وغدْرِ المواضِي في بُنُوِّ المضاربِ

إذا كان هذا الدُّرُّ مَعْدِنُه فَمي … فصُونوه عن تقْبِيلِ راحة واهبِ

رأيتُ رجالا أصبَحَتْ في مآدبِ … لدَيكم وحالي وحْدَها في نوادِبِ

تأخَرْتُ لَمَّا قدَّمَتْهُم عُلاكُم … عَلىَّ وتأبي الأسْدُ سَبْقَ الثعالبِ

تُرى أين كَانُوا في مواطِنِي التي … غَدَوْتُ لكُم فيهِنَّ أكرمَ نائبِ

ليالىَ أتْلُو ذِكْرَكُم في مَجَالسٍ … حَدِيثُ الورَى فيها بغَمزِ الحواجبِ


(١) انظر: وفيات الأعيان، ج ٣، ص ٤٣٣ - ٤٣٥.
(٢) انظر خبر هذه الرسالة في النكت العصرية، ص ٤٢.
(٣) هو: الكامل بن شاور. انظر النكت العصرية، ص ١٢٩، حيث أورد بعد ذلك الأبيات الآتي ذكرها ص ١٣٠.
(٤) "سموم" في نسخة ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>