للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشام، لأخذها وحفظها من الإفرنج، ولكنه عرض عليه أمران: الأول: مجئ الإفرنج إلى بلاد مصر، والثاني: مخالفة كنز المقدم بأسوان، فلنذكر الأمرين أولًا، ثم نذكر أخذ صلاح الدين دمشق.

أما الأمر الأول فقد قال ابن كثير (١): استهلت هذه السنة والسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب على عزم الدخول إلى الشام؛ ليحفظه من أيدي الإفرنج المخذول، ولكنه قد دهمه أمر شغله عنه. وذلك أن الفرنج قدموا إلى ساحل البلاد المصرية في أسطول لم يسمع بمثله؛ في كثرة مراكبه وما فيه من آلات الحصار، وكثرة الرجال والمقاتلة، في جملة ذلك؛ مائتا شيني في كل منها مائة وخمسون مقاتلا، وأربعمائة قطعة أخرى. وكان قدومهم من صقلية إلى ظاهر إسكندرية قبل رأس السنة بأربعة أيام، فنصبوا المنجنيقات والدبابات حول البلد، وبرز إليهم أهلها، فقاتلوهم دونها قتالًا شديدًا، واستمر القتال أياما، وقتل من كل الفريقين خلق كثير، ثم اتفق أهل "البلد" (٢) على تحريق ما نصبوه من المنجنيقات والدبابات، ففعلوا ذلك، فأضعف ذلك قلوب الإفرنج وفنَّد في أعضادهم، ثم كبسهم المسلمون في منازلهم، فقتلوا من أحبوُا وأرادوا، وغنموا ما شاءوا واختاروا. وانهزم الكفار في كل وجه، ولم يكن لهم ملجأ إلا البحر أو القتل أو الأسر، واستحوذ المسلمون على أموالهم وأثقالهم وخيولهم، وما ضربوه من الخيام لنزولهم، وبالجملة قتلوا خلقا من الرجال، وغنموا شيئا كثيرًا من الأموال، وركب من بقي منهم في الأسطول راجعين إلى بلادهم خائبين لعنهم الله.

وفي تاريخ بيبرس (٣): وفي هذه السنة قصد الإفرنج ثغر الإسكندرية وجاءوا في مائتي شيني وطريدة وبطسة، وأمد الملك الناصر صلاح الدين أهل الثغر بالعسكر، وتحرك ليتوجه إليهم، فألقى الله في قلوبهم الرعب، فعادوا خائبين بعد أن ضايقوا الثغر وزحفوا عليه ثلاثة أيام، وقاتلوا قتالا شديدًا.


(١) انظر: البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٠٧، حيث ينقل عنه العيني بتصرف.
(٢) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٣) انظر: نهاية الأرب، ج ٢٨، ص ٣٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>