للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المرآة (١): لما دخل السلطان صلاح الدين دمشق من مجيئه من مصر التقاه أهل دمشق بأسرهم، ونشروا عليه الدراهم والدنانير، وأحسن صلاح الدين إلى ابن المقدم (٢)، والقاضي ابن الشهرزوري، ومشى إلى دار كمال الدين، فانزعج وخرج إلى لقائه، ودخل صلاح الدين، فجلس وباسطه، وقال: يا كمال الدين لما كنت في الشحنكية (٣) قد كانت بيننا هنَّات ومشاحنات، وكان كمال الدين يكرهه، وكان كل واحد منهما ينقض على الآخر أحكامه. فقال له صلاح الدين: "ما مشيت إليك إلا لأزيل ما في خاطرك من الوهم، وأعرفك أن ما في قلبي لك ما تكره، فطب نفسًا، وقر عينًا، فالأمرُ أمرك، والبلد بلدك. وأكثر الشعراء في أخذ صلاح الدين دمشق، ثم كتب إلى الملك الصالح كتابًا تواضع فيه له، وخاطبه بمولانا ابن مولانا، ويقول: إنما جئتُ من مصرَ؛ خدمةً لك لأودي ما يجب من حقوق المرحوم، فلا تسمع ممن حولك، فتفسد أحوالك وتختل أمورك، وما قصدي إلا جمع كلمة الإسلام على الإفرنج". فعرض كتابه على أرباب دولته، وفيهم خالد بن محمد بن القيسراني، وغلمان أبيه، وابن العجمي، فأشاروا إليه (٤) بأن يُكاتِبه بالغلظة، فكتب إليه ينكر عليه، وينسبه إلى كفر النعمة، وجحد إحسان والده، ووعده وهدده، وبعث بالكتاب [مع] (٥) ينال بن حسان (٦) صاحب منبج (٧)، فأغلظ لصلاح الدين في الجواب، وقال: السيوف التي ملَّكَتْكَ مصرَ هي التي تَرُدُّكَ. وأشار إلى سيفه، فغضب صلاح الدين، وقال: والله لولا أنك هنا .... من مصر رسول لضربت عنقك (٨)، والله ما جئت إلى هاهنا شرهًا ولا طمعًا في الدنيا، وفي مصر كفاية، وإنما جئت؛ لأستنقذ هذا الصبي من يد مثلك وأمثالك، فأنتم سبب


(١) انظر: سبط ابن الجوزي، المرآة، ج ٨، ص ٢٠٦ حيث نقل العينى عنه بتصرف.
(٢) هو: محمد بن عبد الملك المعروف بابن المقدم، توفي سنة ٥٨٣ هـ مقتولًا على جبل عرفات. انظر: وفيات الأعيان، ج ٧، ص ٨٧؛ وانظر: حادث القتل في الشذرات، ج ٤، ص ٢٧٦. أحداث سنة ٥٨٢ هـ/ ١١٨٦ م.
(٣) الشحنكية: ويقال لها الشحنة، وصاحب الشحنة هو متولى رئاسة الشرطة. انظر: سعيد عاشور: العصر المماليكي، ص ٤٢٧؛ Dozy:Supp. Dict. Ar.
(٤) " عليه" في نسخة ب.
(٥) ما بين الحاصرتين إضافة من المرآة، ج ٨، ص ٢٠٧.
(٦) ينال بن حسان: هو قطب الدين ينال بن حسان المنبجي، بقي بمنبج إلى أن أخذها صلاح الدين منه سنة ٥٧٢ هـ/ ١١٧٧ م. انظر: الباهر، ص ١٣٤ - ١٣٥.
(٧) منبج: مدينة كبيرة ذات خبرات كثيرة بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ، وبينها وبين حلب عشرة فراسخ. انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ٦٥٤ - ٦٥٦.
(٨) "والله لولا أنك رسول لضربت عنقك" في نسخة ب. أما في الأصل فيوجد ثلاث كلمات غير مقروءة.

<<  <  ج: ص:  >  >>