للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنزلة الأب، وشابكم عندي بمنزلة الأخ، وصغيركم عندي يحل محل الولد، قال: وخنقته العبرة، وسبقته الدمعة، وعلا نشيجُه، فافتتن الناس، وصاحوا صيحة واحدة، ورموا بعمائمهم، وضجوا بالبكاء والعويل، وقالوا: نحن عبيدك، وعبيد أبيك، نقاتل بين يديك، ونبذل أموالنا وأنفسنا لك، وأقبلوا على الدعاء له، وعلى الترحم على أبيه، وكانوا قد اشترطوا على الملك الصالح أن يعيد إليهم شرقية (١) الجامع، يُصَلُّون فيها على عادتهم القديمة، وأن يُجهر بحي على خير العمل والأذان، والتذكير في الأسواق وقدام الجنائز بأسماء الأئمة الإثني عشر (٢)، وأن يصلوا على أمواتهم خمس تكبيرات، وأن تكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطاهر أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني، وأن تكون العصبية مرتفعة، وأشياء كثيرة اقترحوها مما كان أبطله نور الدين (رحمه الله) فأجيبوا إلى ذلك. وقال ابن أبي طي: فأذن المؤذنون في منارة الجامع وغيره بحي على خير العمل، وصلي أبي في الشرقية مسبلًا، وصلى وجوه الحلبيين (٣) خلفه، وذكروا في الأسواق وقدام الجنائز بأسماء الأئمة الإثني عشر، وصلوا على الأموات خمس تكبيرات، وأذن للشريف في أن تكون عقود الحلبيين من الإمامية إليه، وفعلوا جميع ما وقعت الأيمان عليه.

[ذكر بقية الحوادث]

منها أنه ظهر رجل من قرية مَشْغَرَا (٤) من معاملة (٥) دمشق، وكان مغربيًا، فادعى النبوة، وأظهر شيئًا من المخاريق والمخاييل والشعبذة والأبواب النيرنجية (٦)، فافتتن به طوائف من أهل تلك الناحية من الطغام (٧) العوام، فتطلبه السلطان، فهرب في الليل من


(١) يقصد هنا أن يكون لهم شرق الجامع.
(٢) الأئمة الإثني عشرية: ويقال لهم "القطعية"، وسموا بالإثني عشرية لدعواهم أن الإمام المنتظر الثاني عشر من نسل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. انظر البغدادي: الفرق بين الفرق، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، ص ٦٤ - ٦٥، بيروت د. ت.
(٣) ورد في حاشية الروضتين أن حلب كانت دائما مركزًا من مراكز النشاط الإسماعيلي، والأدلة على ذلك موجودة في أحداث سنوات ٥٥١ هـ/ ١١٥٦ م، ٥٥٤ هـ/ ١١٥٩ م، ٥٧٠ هـ/ ١١٧٤ م. انظر: الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٦١٠ حاشية ٢.
(٤) مشغرا: قرية من قرى دمشق من ناحية البقاع. معجم البلدان، ج ٤، ص ٥٤٠.
(٥) "مناملة" في نسخة ب وهو خطأ في النسخ.
(٦) النِّيرنْج: أَخْذٌ كالسحر وليس به. الجمع: نيرنجات ونيارج. انظر: المعجم الوسيط: مادة "نير"؛ كما ذكرها الفيروزابادي. وعرفها دوزي بالرقي أو الطلاسم أو السحر. Dozy: Supp. Dict. Ar.
(٧) الطغام: هم أراذل الناس وأوغادهم. انظر: المعجم الوسيط، مادة "طغم".

<<  <  ج: ص:  >  >>