للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى محاذي وجه القاعد على الخلاء، وفي أسفلها كرة كبيرة من ذهب مخرمة محشوة عنبرًا ومسكًا؛ ليشمها إذا قعد، فتسلق إنسان وقطعها، ودخل بعض الصعاليك، فأخذ عدة أكياس مملوءة دنانير، وبالباب أقوام أقوياء يأخذون ما يخرجونه الناس، فقصد ذلك الصعلوك المطبخ، فأخذ قدرًا مملوءة طعامًا، فوضع الأكياس فيها وحملها، والناس يضحكون منه، وخرج وهو يقول: أنا آخذ شيئًا أطعم عيالى اليوم، فنجي بما معه، فاستغنى بعد ذلك، وظهر المال عليه. ولم يبق من نعمة قطب الدين قيماز في ساعة واحدة قليل ولا كثير. ولما خرج قايماز من البلد تبعه تنامش الملقب بعلاء الدين، وكان من أكبر أمراء بغداد، وهو صهر قطب الدين قايماز، وكذلك تبعه جماعة من الأمراء، فنهبت دورهم "أيضًا" (١) وأخذت أموالهم، وأحرق أكثرها. وسار قايماز إلى الحلة (٢) ومعه الأمراء، فأرسل الخليفة إليه صدر الدين شيخ الشيوخ، فلم يزل يخدعه حتي سار عن الحلة إلى الموصل على البر، فلحقه ومن معه عطش عظيم، فهلك أكثرهم عطشًا، ومات قايماز قبل وصوله إلى الموصل، فدفن بظاهر باب العمادي (٣)، وكان قد ظلم أهل العراق، وكفر إحسان الخليفة.

ولما مات وصل علاء الدين تنامش إلى الموصل، وأقام يسيرها، ثم أمره الخليفة بالقدوم إلى بغداد، فعاد وأقام بها بغير إقطاع إلى أن مات، فقال بعض الشعراء في ذلك (٤):

إنْ كُنتَ معْتزا (٥) بمُلكٍ زائلٍ … وحوادث عنقية الإدلاجِ

فَدَع العجائب والتواريخَ الأولى … وانْظر إلى قيماز وابن قماجِ

عَطَفَ الزمانُ عليهما فسقاهُما … من كأسِهِ صِرْفًا بغيرِ مزاجِ

فَتبدَّلُوا بعد القصور وظِلِّها … ونَعِيمها بمهامِهِ وفجاجِ

فَلْيحذَر الباقون من أمثالهم (٦) … نكباتِ دهرٍ خائنٍ مزعاجِ


(١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٢) الحلة: مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد. انظر: معجم البلدان، ج ٢، ص ٣٢٢. أنظر أيضًا: تقويم البلدان ص ٢٩٨ - ٢٩٩.
(٣) باب العمادى: يبدو أنه أحد أبواب قلعة العمادية التي بناها عماد الدين إسماعيل بن علي بن موسي وهي من أحسن القلاع بجبل الهكارية من أعمال الموصل. انظر: صبح الأعشي، ج ٧، ص ٢٨٦؛ وفيات الأعيان، ج ٥، ص ٢٠٨.
(٤) ورد هذا النص بتصرف في الكامل، ج ١٠، ص ٧١ - ٧٢.
(٥) "معتبرًا" في الكامل، ج ١٠، ص ٧٢.
(٦) "أمثالها" في الكامل، ج ١٠، ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>