للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، ويحكم الله بيننا، {وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ} (١). قال: ففارقته وأنا على بصيرة من نصرته وخذلانهم. وسقت عامة الليل، فوافيتهم وقت الفجر وهم سكاري، فطلبت سيف الدين غازي، فقيل لي: هو نائم. قال: فوالله ما انبسطت (٢) الشمس إلا وأعلام صلاح الدين قد أقبلت، والكوسات (٣) تخفق، وأصحابنا نيام، فقاموا مسرعين، وكان يوم الخميس العاشر من شوال، وكانت ملاقاتهم على تل السلطان، وكان على ميمنة السلطان صلاح الدين ابن خاله شهاب الدين محمود، وعلى ميسرته صاحب بصري، وهو (٤) في القلب، وكان في ميمنة المواصلة مظفر الدين بن زين الدين صاحب إربل، وعلى ميسرتهم الحلبيون، وسيف الدين غازي في القلب.

وفي المرآة (٥): وكان صلاح الدين قد وقف على تل عال، فحمل ابن زين الدين فطحن ميسرة صلاح الدين، وحمل الحلبيون على ميمنته فتعتعوها، ونزل صلاح الدين من التل، ورأى أن يباشر الأمر بنفسه وإلا اختل الأمر، فساق إليهم (٦)، واتفق وصول العساكر المصرية في تلك الساعة مع تقي الدين عمر، وعز الدين فرخشاه، وناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه، فهال ذلك الحلبيين، من دق الكوسات وحسن الأطلاب (٧) والعُددِ الوافرة (٨) والخيل العربية، فانخذلوا وولوا منهزمين.

وفي تاريخ النويري (٩): وحمل السلطان صلاح الدين بنفسه الكريمة فكانت بإذن الله الهزيمة، فقتلوا من الحلبيين والمواصلة خلقًا، وأُخذت مضارب سيف الدين غازي وحواصله (١٠).


(١) {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}، سورة الأعراف: آية (٨٧).
(٢) "والله ما انتظر الشمس". في المرآة ج ٨، ص ٢١١.
(٣) الكوسات: هي صنوجات من نحاس شبه التُّرس الصغير، يدق بأحدها على الآخر بإيقاع خاص، ومع ذلك طبول وشَبَّابَة، يدق بها مرتين في القلعة في كل ليلة، ويدار بها في جوانبها مرة بعد العشاء الآخرة، ومرة قبل التسبيح على المآذن، وتسمَّى الدورة بذلك في القلعة، وكذلك إذا كان السلطان في السفر تدور حول خيامه. ويقال للذي يضربُ بالصنوج النحاس بعضها على بعض الكوسي. انظر: صبح الأعشي، ج ٤، ص ٩، ١٣.
(٤) يقصد صلاح الدين يوسف بن أيوب.
(٥) انظر: مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢١١.
(٦) "عليهم" في نسختي المخطوطة أ، ب. والمثبت من المرآة، ج ٨، ص ٢١١ حيث ينقل عنه العيني.
(٧) الأطلاب - مفردها طُلب: وهو لفظ كردي معناه الأمير الذي يقود مائتي فارس في ميدان القتال، ويطلق أيضًا على قائد المائة أو السبعين، وكان أول استخدامه في العصر الأيوبى، ثم أصبح يطلق على الكتيبة من الجيش. انظر السلوك، ج ١ ق ١، ص ٢٤٨، حاشية ٢.
(٨) "الواردة" في مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢١١. والمثبت كما كتبه العيني متفق مع السياق.
(٩) ورد هذا النص بتصرف في نهاية الأرب، ج ٢٨، ص ٣٧٩ - ٣٨٠.
(١٠) الحواصل - مفردها حاصل: وهي الشراب خاناه والفراش خاناه والسلاح خاناه والركاب خاناه والحوائج خاناه والمطبخ والطبلخاناه. انظر: صبح الأعشي، ج ٤، ص ٩ - ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>