للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر العماد جماعة ممن كان يقيم الضيافة له ولمثله من الفضلاء الأعيان؛ فذكر منهم الناصح مؤدب أولاد السلطان، وله دار مشرفة على النيل، وذكر منهم اللّسان الصوفي البلخي، وكانت له صحبة قديمة بنجم الدين أيوب والد السلطان، وله دار أيضًا على شاطئ النيل برسم [ضيافة] (١) من نزل به.

[ذكر ما صدر من صلاح الدين بعد دخوله القاهرة]

من ذلك أنه أمر ببيع الكتب في القصر كل أسبوع يومان، وهي تباع بأرخص الأثمان، وكانت كتبًا كثيرة جدًا، قالوا: إنها كانت أكثر من مائة ألف مجلد.

وكان فيها من الكتب الكبار، وتواريخ الأمصار، ما يشتمل كل كتاب على خمسين أو ستين مجلدًا (٢)، وكانت خزائن مملوءة بها في القصر، وكان الحاكم على القصر ومتولى أموره الأمير بهاء الدين قراقوش. ولما حضرت الناس للشراء كان الدلالون يخرجون عشرة عشرة من كل فنّ كتبًا [مبترة] (٣) وتُباع بالهُون، وتُسام بالدون، وربما كان دلال يشارك مع واحد فتُقوَّمُ عليه بعشرة، ثم بعد ذلك يبيعونه بمائة.

قال العماد: لما رأيت الأمر حضرت [القصر] (٤)، واشتريت كما اشتروا، واستكثرت من ذلك. ولما عرف السلطان بذلك، وكان (٥) بمئين (٦)، أنعم بها عليَّ، وأبرَأَ ذمتي من ثمنها؛ ثم وهب لي أيضًا من خزانة القصر ما عينتُ عليه من كتبها.

ودخلت عليه يومًا وبين يديه مجلدات كثيرة، انتُقِيَت له من القصر، وهو ينظر في بعضها، وقال: كنت طلبت كُتُبا عَينتها، فهل في هذه منها شيء؟ فقلت: كُلّها، وما استغني عنها، فأخرجتها من عنده بحمّال، وكان هذا بالنسبة إلى جوده أقلَّ نوال.

ومن ذلك أنه أمر ببناء سور على مصر والقاهرة، ودَور السور تسعة وعشرون ألفا وثلثمائة ذراع بالهاشمي (٧).


(١) ما بين الحاصرتين إضافة لازمة للسياق من الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٦٨٦.
(٢) لمزيد من التفاصيل عن تلك الكتب، انظر: الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٦٨٦ - ٦٨٧.
(٣) "مميزة" في نسختى المخطوطة أ، ب. والمثبت بين الحاصرتين من الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٦٨٦؛ سنا البرق الشامي، ص ١١٦ وهو الأصح. ومبترة أي هالكة أو متفرقة.
(٤) ما بين الحاصرتين إضافة لازمة للإيضاح من الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٦٨٧.
(٥) "كان" مكررة في نسخة ب.
(٦) مئين: المقصود بها ما بين الثلاثة إلى العشرة. انظر: لسان العرب مادة "مائة" فصل الميم حرف الواو والياء.
(٧) الذراع الهاشمي: هو قياس خاص بالأراضي والأقمشة وهو أكبر من الذراع الزيادي الذي طوله ذراع وثلث بذراع اليد، وقد وجد في عصر الدولة العباسية. انظر: صبح الأعشي، ج ٣، ص ٤٤٦ - ٤٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>