للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها أموالا جزيلة، ثم استناب فيها، وأقبل نحو أخيه إلى الشام؛ شوقا إليه. وكان قدومه إليه في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة كما ذكرنا، فشهد معه مواقف مشهودة وغزوات محمودة، واستنابه على دمشق مدة، ثم سار إلى مصر فاستنابه على الإسكندرية (١) فلم توافقه، وكان يعتريه القُولَنج (٢) فمات بها في هذه السنة، فدفن فيها. ثم نقلته أخته ست الشام بنت أيوب فدفنته بتربتها التي بالشامية البرانية (٣) بدمشق، فقبره القبليّ، والوسطاني قبر زوجها ابن عمها ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه، صاحب حمص والرحبة، والمؤخر قبرها، رحمها الله. والتربة الحسامية منسوبة إلى ولدها حسام الدين عمر بن لاجين، وهي إلى جانب المدرسة من غربيّها، وقد كان الملك تورانشاه كريما جوادا ممدَّحا شجاعا باسلًا، عظيم في [الهيبة] (٤)، كبير النفس واسع الصدر. وقال فيه ابن سعدان الحلبي:

هو المَلكُ إِنْ تَسْمَع بكسرى وقيصر … فإنهما في الجودِ والبأسِ عَبْدَاهُ

وما حاتمٌ (٥) ممن يُقاسُ بمثلِه … فخُذْ ما رأيناه ودَعْ ما رويناهُ

ولُذْ بِذُرَاهُ مستجيرًا فِإنَّه … يُجِيرُك مِنْ جَوْرِ الزمانِ وعَدْواهُ

ولا (٦) تتحَمَّلْ للسحائبِ مِنَّةً … إذا هطلت (٧) جُودًا سَحَائبُ جَدْواهُ

ويُرسِلُ كَفْيه بما اشْتُق منْهُما … فَلِليُمْنْ يمناه (٨) ولِلْيُسْرِ يُسْراهُ

ولما بلغ خبر موته إلى أخيه السلطان صلاح الدين، وهو مخيم بظاهر حمص، حزن حزنا شديدًا عليه، وجعل ينشد باب المراثي من الحماسة، وكانت محفوظته.


(١) "إسكندرية" في نسخة ب.
(٢) القولنج: مرض وصفة الخوارزمي بأنه اعتقال الطبيعة لانسداد المعي المسمى قولون. انظر: النوادر السلطانية، ص ٥٥، حاشية ٣.
(٣) هذه المدرسة توجد بالعقيبة بدمشق، وقد بنتها ست الشام بنت نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان، أخت الملك الناصر صلاح الدين، وهي من أكبر المدراس وأعظمها وأكثرها أوقافًا. انظر الدارس، جـ ١، ص ٢٧٧ - ٢٧٩.
(٤) "الهيئة" في نسختى المخطوطة أ، ب. والمثبت بين الحاصرتين من البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٢٧ حيث ينقل العيني عنه هذا النص.
(٥) "حتم" في البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٢٧.
(٦) "فلا" في الروضتين، جـ ٢ ق ١، ص ٥٦.
(٧) "هللت" في نسختى المخطوطة أ، ب، والمثبت بين الحاصرتين من الروضتين جـ ٢ ق ١، ص ٥٦؛ البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٢٧.
(٨) "يملاه" في نسخة ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>