للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرُ بَقِية الحَوادِثِ

منها إنه كانت وقعة عظيمة ببلاد الهند بين الملك شهاب الدين الغوري (١) صاحب [٤٩] غَزْنة (٢)، وبين ملك الهند الكبير واسمُه كَولَة (٣) وكان شجاعًا شهمًا، فاقتتلوا والهند في عدد كثير، وكان معهم أربعة عشر فيلًا، فانهزمت ميمنة المسلمين ومَيسرتهم، فقيل للملك: انج بنفسك. فما زاده إلا إقدامًا، فحمل على الفِيلة فجرح بعضها، وجرح الفيل لا يندمل، فرماه بعض الفيّالة بحربة في ساعده، فخرجت من الجانب الآخر، فخرّ صريعًا، فحملت الهنود عليه ليأخذوه، فجاحف عنه أصحابه ليَحموه، فجرت عنده حرب لم يسمع بشدتها في حَرْب، فغلب المسلمون فخلّصوا ملكهم، واحتملوه علي كواهلهم في محفّة عشرين فرسخًا (٤)، وقد نزف الدم، فلما تراجع إليه جيشه، أخذ في تأنيب الأمراء، وحلف ليأكلن كل أمير عليقة فرسه، وما أدخلهم غزنة إلا حُفَاة مشَاةً (٥).

وفي تاريخ بيبرس: وفي هذه السنة سارَ شهاب الدين الغُورى ملك غزنة إلى بلاد الهند، وقصد ولاية السوالك (٦)، واسم ملكهم كَولة، فلما دخل المسلمون بلاده ملكوا مدينة تَبْرنده، وَسَرستي (٧) وكوُه رام، فلما سمع ملكهم جمع العساكر وسار إلى المسلمين، فالتقوا وقامت الحرب على ساق، ثم ذكر مثل ما ذكرنا، إلى أن قال: فلما وصل إلى لَهَاوُور (٨) أخذ الأمراء الغُورية وحَمَّلَهم الشعير على ظهورهم؛ نكالًا بما تخاذلوا وانهزموا، وقال لهم: ما أنتم أمراء، بل أنتم حمير، وأقام بها ليستريح الناس (٩).


(١) الملك شهاب الدين الغوري: هو محمد غوري بن سام بن حسين. ت سنة ٦٠٢ سعيد سليمان: تاريخ الدول الإسلامية، ص ٥٩٤ - ٥٩٧. القاهرة ١٩٦٩ م.
(٢) غَزْنَةَ: مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان وهي الحد بين خراسان والهند. معجم البلدان، ج ٣، ص ٧٩٨.
(٣) كولة توفي سنة ٥٨٨ هـ، انظر: الكامل، ج ١٠، ص ٢٢٢؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٧٤.
(٤) في الكامل "أربعة وعشرين" فرسخًا. ج ١٠، ص ١٦٤، والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع. معجم البلدان، ج ١، ص ٣٨.
(٥) نقل العينى هذا الخبر بتصرف من البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٤٩ - ص ٣٥٠؛ الكامل، ج ١٠، أحداث ٥٨٣ هـ، ص ١٦٤ - ٢٣٠؛ وفي أحداث سنة ٥٨٨ هـ، ص ٢٢١ - ٢٢٢.
(٦) ذكر ابن الأثير أن السوالك هي بلاد أجمير وبالبحث في المصادر التي بين أيدينا لم نعثر لها على تعريف. انظر: الكامل، ج ١٠، ص ١٦٤. وأجمير: مدينة في إقليم راجبوتانا في شمال غربي الهند. راجع موقعها في إطلس تاريخ الإسلام، ط. الزهراء للإعلام العربي، الخرائط ١١١، ١٢١، ١٢٢.
(٧) في الأصل "سرشتي" والتصحيح من ابن بطوطة الرحلة: ص ٢٨٥. وسرسَتي: مدينة كبيرة بالهند كثيرة الأرز وأرزها طيب، ومنها يُحمل إلى حضرة دهلي، ولها مجبي كثير جدًا. ابن بطوطة: الرحلة، تحقيق طلال حرب، ص ٢٨٥، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت ١٩٨٧ م.
(٨) لَهاووُر: مدينة كبيرة من بلاد الهند كثيرة الخيرات، ويقال لها أيضًا "لَوْهُور". تقويم البلدان، ص ٣٥٨، ص ٣٥٩.
(٩) ورد هذا النص بتصرف في الكامل، ج ١٠، ص ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>