للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقيه أبو الفتح نصر بن فتيان بن مطر الحنبلي المعروف بابن المنِّي (١)، كان زاهدًا عالمًا، عابدًا، مولده سنة إحدى وخمسمائة، وتوفي في خامس رمضان منها. وممن تفقه عليه من المشاهير: الشيخ موفق الدين بن قدامة، والحافظ عبد الغني، ومحمد بن خلف بن راجح، والناصح عبد الرحمن بن النجم بن عبد الوهاب، وعبد القادر ابن الشيخ عبد القادر وغيرهم (٢).

شيخ الفتيان ببغداد عبد الجبار بن صالح، من أهل باب الأزج (٣)، لبس منه الإمام الناصر سراويل الفتوة (٤)، وكان شيخ صالحًا يعمل في البساتين، وكانت له صومعة بباب كلواذا (٥) يَتعبّد فيها، وحج في هذه السنة، وتوفي بمكة، فدفن بالمعلى (٦).

ابن نقطة (٧) عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع الزاهد، كانت له زاوية ببغداد يأوي إليها الفقراء، وكان ديّنا جوادًا، لم يكن ببغداد في عصره مَن يقاومه في التجريد، كان يفتح عليه قبل غروب الشمس بألف دينار، فيفرقها والفقراء صيام، فلا يدخر لهم منها شيئًا، ويقول: نحن لا نعمل بأجرة. يعني لا نصوم وندخر ما نفطر عليه، وكانت والدة (٨) الخليفة الناصر تحسن الظن به، زوَّجته جارية من خواصها، ونقلت معها جهازًا يُساوي عشرة آلاف دينار، فما حال الحول وعنده منها سوى هاون (٩)، فجاء فقير فوقف على الباب، وقال: لي ثلاثة أيام ما أكلت شيئًا. فأخرج إليه الهاون وقال: لا تشنع على الله،


(١) "المثنى" كذا في الأصل، والمثبت من وفيات الأعيان، ج ٣، ص ٢٩؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٥١.
(٢) شذرات الذهب، ج ٤، ص ٢٧٩ - ٢٧٧؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٠١؛ الذهبي: العبر، ج ٤، ص ٢٥١.
(٣) باب الأزج: محلة كبيرة، ذات أسواق كثيرة، ومحال كبار في شرقي بغداد. معجم البلدان، ج ١، ٢٣٢.
(٤) الفتوة: في اللغة صفة الفتى، واشتقت من الفتى، ومن مظاهرها الشجاعة والصبر عند الأزمات، وتغلب القوى الروحانية على الجسمانية، ومن مظاهرها أيضا الكرم والسخاء والمروءة … وقد ارتبطت فتوة القرن السادس الهجري بالخليفة العباسي الناصر لدين الله الذي رأى أن العالم الإسلامي يحتاج إلى تجديد قوته لمقاومة الصليبيين، ومن ثم أخذ الخليفة الناصر بمبدأ القوة واستقى فتوته من رئيس الفتيان في عصره الشيخ عبد الجبار يوسف المذكور في هذا النص. أنظر: ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص ٥، تحقيق مصطفي جواد، طبعة ١٩٥٨؛ المختصر، ج ٣، ص ١٣٦؛ ابن خلدون، كتاب العبر، طبعة ١٩٧١، ج ٣، ص ٥٣٥.
(٥) كلواذا: ناحية بالجانب الشرقي من بغداد، ويقال: إنها سميت بذلك لأن الكلواذ هو تابوت تورية موسى عَلِيْه السَّلام، وأنه مدفون في هذا الموضع، ولذلك سميت كلواذا. انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ٣٠١ - ص ٣٠٢.
(٦) الذهبي: العبر، ج ٤، ص ٢٤٩.
(٧) انظر ترجمته في وفيات الأعيان، ج ٤، ص ٣٩٢؛ شذرات الذهب، ج ٤، ص ٢٧٨ - ٢٧٩.
(٨) هي أم ولد تركية اسمها زمرد - انظر: السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص ٤٤٨.
(٩) الهاون: وعاء مجوف من الحديد أو النحاس يدق فيه. انظر: المعجم الوسيط.

<<  <  ج: ص:  >  >>