للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال صاحب النوادر (١): نزل صاحب الشقيف بنفسه، فما حسسنا به إلا وهو قائم على باب خيمة السلطان، فأذن له، فدخل واحترمه وأكرمه، وكان من كبار الإفرنج وعقلائها، وكان يعرف بالعربية وعنده [٦٧] إطلاع على شيء من التواريخ والأحاديث. قال: وبلغني أنه كان عنده مسلم يقرأ له ويُفهمه، وكان عنده تَأتَ (٢)، فحضر بين يدي السلطان، وأكل معه الطعام، ثم خلابه وذكر أنه مملوكه، وأنه تحت طاعته وأنه يُسلم المكان إليه من غير تعب، واشترط أن يعطي موضعًا يسكنه بدمشق، فإنه بعد ذلك لا يقدر على مساكنة الإفرنج، وكان قد تردد إلى الخدمة ثلاثة أشهر من تاريخ اليوم الذي أتى إليه، وكان كل وقت يناظرنا في دينه، ونناظره في بطلانه، وكان حسن المحاورة، متأدبًا في كلامه.

ذكرُ مَا تجدَّد للسُّلطان مُدّة إقامته بمرج العُيُون من الأحوال

وبلغه أنه اجتمع من كان سلم من الإفرنج على ملكهم الذي خلص من الأسر، وقالوا: نحن في جمع خارج عن الحصر، وقد تواصلت إلينا أمداد البحر، فانهض بنا إلى إزالة هؤلاء عنّا، وجاء من كان بطرابلس وخيّموا على صُور، وجرت بين المركيس المقيم بها وبين الملك مراسلات، فلم يمكنه من دخول البلد ثم احتج بأنه من قَبَل الملوك الذين من وراء البحر، وأنه منتظر لما تُبرمونه من الأمر، ثم اتفقوا على أن يقيم المركيس بصور، وأنهم يجتمعون على حرب المسلمين، وقتالهم، ويتساعدون على رّمّ ما تشعث من أحوالهم، ويقصدون بلدًا إسلاميًا من الساحل، والمركيسُ يَمدهم من صُور بالمدَد بَعد المدَد، وبجميع ما يحتاجون إليه من الميرة والأسلحة والعُدَد، ووصل هذا الخبر يوم الاثنين السابع عشر من جمادى الأولى من اليزك، قالوا أن جمع الفرنج قد نهض كاليل المعتكر، وأنهم على قصد صيدا للحصر، فركب السلطان في الحال، فقبل وصول السلطان، اتقعت اليزكية بهم، فكسرتهم وأسروا منهم سبعة من سباعهم، واستشهد من المماليك الخواص أيبك الأخرش (٣)، وقد كان شجاعًا شهمًا، وانفصلت الحرب قبل وصول السلطان.


(١) النوادر السلطانية، ص ٩٧ ويستشف من هذا النص أن بعض الأمراء الصليبيين في بلاد الشام قد تأثروا بالثقافة العربية الإسلامية، فأصبحوا بعضهم يحاول التحدث باللغة العربية.
(٢) تَأتَ: كرر التَّاءَ إذا تكلم، لعيب في نطقه. المعجم الوجيز، ص ٧١.
(٣) "الأخرس" في الأصل والمثبت من الفتح القسى، ص ٢٩٠؛ النوادر السلطانية، ص ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>