للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان معسكر العدوّ المخذول على شطر من عكا، وخيمة ملكهم على تل المصلبين (١) قريبا من باب البلد، وكان عدد راكبهم ألفي فارس، وعدد راجلهم ثلاثين ألفا، ومددهم من البحر لا ينقطع، وجرى بينهم وبَيْن اليزك مقاتلات عظيمة متواترة، والبُعوث تتواصل من المسلمين والملوك والأمراء من الأقطار متتابعة، فأول [٧١] من نزل واصلا الأمير الأجل الكبير [مظفر الدين بن زين الدين، ثم قدم بعده الملك المظفر] (٢) تقي الدين صاحب حماة في جحفله، وتتابعت الأمراء والعساكر الإسلامية.

وفي أثناء هذا الحال توفي حسام الدين سنقر الخلاطي بإسهال شديد، فأسف عليه المسلمون أسفا شديدًا، فإنه كان شجاعا ديّنا، ثم أن الفرنج تكاثروا، واستفحل أمرهم واستداروا بعكا بحيث منعوا من الدخول والخروج منها، وذلك يوم الخميس سلخ رجب.

فلما رأى السلطان ذلك ضاق صدره، وثارت همته العالية لفتح الطريق إلى عكا؛ ليستمر السابلة (٣) إليها بالميرة والنجدة، فاستحضر أمراءه وأصحاب الرأي، وشاورهم في مضايقة القوم، واتفقوا على أن يضايقوا بحيث ينفصل الأمر بالكلية، أويفتح الطريق إلى عكا (٤).

ذِكُر قيام الحرب لأجل فتح الطريق

ولما أصبح نهار الجمعة مستهل شعبان من هذه السنة، أصبح السلطان على عزم القتال، فرتب عسكره ميمنةً وميسرة وقلبا، واتفقوا على أن تكون الملاقاة وقت الصلاة والخطباء تخطب، وهو وقت قبول الدعوات، فحملوا حملات عظيمة، وهم كالسّور المحيط ما عليه متسلق، والمسلمون كالبنيان المرصوص ما فيه خلل، وكالحلقة المفرغة ما إليها مدخل، فلم يتحرك الملاعين من موضعهم، ودامت الحرب بينهم، وكلما قتل واحد وقف آخر مكانه، حتى دخل الليل وحجز بينهم، فأصبحوا يوم السبت على الحرب كما أمسوا، واشتدت الحرب أكثر مما كان، وأنفذ السلطان طائفة من شجعان المسلمين إلى البحر من شمالي عكا، فلم يكن هناك [للعدو] (٥) خيم، لكن


(١) "تل المصْلبة" في الفتح القسي، ص ٣٠٥.
(٢) ما بين حاصرتين إضافة للإيضاح من: النوادر السلطانية، ص ١٠٥؛ الفتح القسي، ص ٢٩٩.
(٣) السَّابلة: في اللغة الطريق المسلوك والمارُّون عليه. المعجم الوسيط، مادة س. ب. ل، ص ٤٣٠.
(٤) ينقل العين هذا النص بتصرف من النوادر، ص ١٠٣ - ١٠٥؛ انظر أيضا، الفتح القسي، ص ٢٩٦ - ٣٠٣.
(٥) ما بين الحاصرتين مثبت من النوادر السلطانية، ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>