للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ننتظرها سوى الملك العادل، وهو واصل إن شاء الله، وهذا العدو إن بقي وطال أمره إلى أن ينفتح البحر جاءهم مدد عظيم، والرأي كل الرأي عندي مناجزتهم، فليتكلم كل منكم ما عنده في ذلك، وكان ذلك في ثالث عشر تشرين من الشهور الشمسية، فامتخضت الآراء، ثم اتفقت أن المصلحة تأخير العسكر إلى الخروبة لتتراجع أنفسهم إليهم، فقد أخذ منهم التعب، واستولى على نفوسهم الضجر، ولهم خمسون يوما تحت السلاح وفوق الخيل، والخيل قد ضجرت من عَرْك اللُّجم، وسئمت نفوسها ذلك، ويصل الملك العادل ويشاركنا في الرأي، فوافقهم السلطان على ذلك لكونه قد حصل له مرض من كثرة ما حمل على قلبه، وما عاناه من التعب وحمل السلاح، فأقام هناك منتظرا أخاه الملك العادل إلى يوم الاثنين عاشر رمضان (١).

ثم أن السلطان أرسل إلى مصر يطلب أخاه العادل، ويستعجل الأصطول، فوصل إليه الأسطول في خمسين قطعة مع الأمير حسام الدين لؤلؤ، وكان مظفرا شجاعا، وظفر ببُطسة للفرنج، فأخذها ودخل بها إلى عكار، فقويت قلوب المسلمين لذلك، وكذلك وصل الملك العادل بعسكر مصر في منتصف شهر شوال (٢).

وقال العماد: وكان وصول الأصطول المنصور من مصر يوم الثلاثاء السادس عشر من ذي القعدة في المراكب المستعدة بالبأس والشدّة، وكانت عدته خمسين شينيًا، فأول ما ظفر الأسطول المنصور بشينيّ للفرنج عظيم الشأن، فقتل مقاتليه، فوقعت بُطسته الكبرى ببطسة كبيرة، تشتمل على ميرة لهم وذخيرة واسعة. وتفرقت سُفن الفرنج أيدي سبأ. وفي مدة هذا الحصار وصل إلى الإفرنج في مراكب ثلاثمائة امرأة إفرنجية مستحسنات الوجوه، اجتمعن من الجزائر، [وسبَّلن] (٣) أنفسهنّ لله تعالي بزعمهن، والتزمن أن لا يمنعن أنفسهن ممن أرادَ وطأهن من مقاتلي الفرنج، وزعمن أن هذه قرْبة للمسيح ما فوقها قربة، لا سيما إذا أمكن ممن اجتمعت فيه عزيمة مع إقدام على القتال (٤).


(١) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٠٩ - ١١٥؛ الفتح القسي، ص ٣٢٢ - ص ٣٢٦؛ الروضتين جـ ٢، ص ١٤٦؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٣٠٥.
(٢) زبدة الحلب، ج ٣، ص ١١٦؛ الكامل، ج ١٠، ص ١٨٩.
(٣) "سيّبن" في الأصل. والمثبت من الفتح القسى، ص ٣٤٧.
(٤) ورد هذا النص مفصل في الفتح القسى، ص ٣٤٠ - ٣٤١، ٣٤٧ - ٣٤٩؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٤٩؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>